إيليا أبو ماضي
تاريخه
ولد ايليا أبو الماضي في قرية المحدثة من قضاء المتن بلبنان ، وكانت مدرسة القرية أول بيت علم دخله ونال من علمه ما استطاع نيله ؛ وفي سنة 1902 حدثته نفسه بالهجرة إلى اميركة ، فترك قريته وتوجه أولا إلى الإسكندرية حيث كان له عم يتعاطى بيع السجاير .
قال أبو الماضي في ذلك : (( وفي الإسكندرية تعاطيت بيع السجاير في النهار في متجر عمي ، وفي الليل كنت أدرس النحو و الصرف وتارة على نفسي ، وتارة في بعض الكتاتيب )) .
وهكذا راح الفتى يحصل من العلم ما استطاع التحصيل ، إلى أن كانت سنة 1911 فأصدر ديوانه الأول بعنوان (( تذكار الماضي )).
إلا أن الحياة في مصر لم تقدم له كل ما كان يصبو إليه ، وفي سنة 1912 يمم الولايات المتحدة التي جذبت الألوف من أبناء وطن ، واستقر في مدينة سنسناتي إلى جانب أخيه مراد يعمل في التجارة ويملأ أوقات فراغه بالدرس والمطالعة و نظم الشعر . وفي سنة 1916 انتقل إلى نيويورك وإلى حياة الصحافة والأدب ، فعهد إليه في تحرير ((المجلة العربية )) ، وفي سنة 1918 عهد إليه في تحرير مجلة ((مرآة الغرب )) لصاحبها نجيب دياب ، و في سنة 1929 أنشأ مجلة (( السمير )) وقد حولها سنة 1936 إلى جريدة يومية . وكان في سنة 1920 قد اشترك في تأسيس (( الرابطة القلمية )) وكان شاعرها الفذ الذي غزا صسته العالمين القديم والجديد . وفي سنة 1957 توفاه الله وهو لا يزال في أوج نشاطه الصحفي والشعري .
أدبه
لإيليا ماضي عدة دواوين شعر نشر منها في حياته (( تذكار الماضي )) {1911} ، و ((ديوان ايليا أبي الماضي )) {1918} ، و ((الجداول )) {1927} ، و ((الخمائل)) {1946} وبعد وفاته ، أي في سنة 1960 نشرت له دار العلم للملايين في بيروت ديوانه الأخير بعنوان ((تبر وتراب)) .
شعر ايليا أبي ماضي
تطور شعر أبي ماضي مع الزمن والبيئة ، فكان في مصر تقليداً للشعر القديم ، وجارياً على خطة شعر البار ودي وشوقي و حافط ، وعندما انتقل الشاعر إلى العالم الجديد ، وقد ازداد نضجاً وثقافة آفاق ، راح يواكب رفاقه في الرابطة القلمية ، ويقدم للعالم شعراً جديداً يعبر عن نفسية العصر وروحية البيئة . قال زهير مبرزا في مقدمة المجموعة التي أصدرتها دار اليقظة لشعر أبي ماضي : (( إذا نظرت في ديوانيه ( الجداول والخمائل ) فلن تجد المطالع الفخمة التي تذكرك بالمعلقات أو بلاميتي العرب والعجم وما اتصل بذلك . وإنما تجد لوناً جديداً ليس فيه إلا محاولة التعبير عن أفكار جديدة هي وليدة التي عاشها مع زملائه أعضاء الرابطة القلمية )) .
فلسفة الحياة في شعر أبي ماضي : الحياة في نظر ايليا أبي الماضي سانحة من سوانح الوجود يجدر بالإنسان أن يغتنمها منفحاً على جمالها ومستمتعاً بما تقدمه له من نعمة ، وما توفره له من متعة :
إن الحياة قصيدة أعمارنا أبياتها والموت فيها القافيه
متع لحظك في النجوم وحسنها --------- فلسوف تمضي والكواكب باقيه
وفي هذه الفلسفة التي تبدو مشرقة والتي تسمعها على ألسنة الكثيرين من الناس تلمس في أعماقها مأساة الوجود ، ويصعقك (( المضي )) الذي تنتهي إليه ، فهي فلسفة الموت تحت غطاء كثيف من الورود والابتسامة والتفاؤل ؛ وهكذا فأبو ماضي يحاول أن يخرج الإنسان من هاوية حقيقية الزوالية ، إلى أجور التفاؤلية التي تجعله يعيش غارقاً في جمالية الموجود .
وقبل أن يعلن هذه الفلسفة عانى الشاعر ما يعانيه كل إنسان عندما ينظر بعمق إلى مصيره ، ولا شك أنه واجه في داخله الصراع الذي يقوم بين عوامل التشاؤم وعوامل التفاؤل ،ولا شك أنه تقلب بين هذه وتلك ، ورأى في آخر المطاف أن الاستسلام للتشاؤم مموت مبكر ، وأن العيش في أجواء التفاؤل إبعاد للملل واليأس والانتحار المعنوي .
أما الحياة الاجتماعية في نظر ايليا أبو ماضي فهي حياة الواقع الإنساني التي يجب على الإنسان أن يلبسها كما هي ، فيقتنع بما تقدمه له ، ولا يطلب من الناس أكثر مما يستطيعون أن يعطوا ، على أن الشاعر يريد أن يعرف الناس أنهم جميعاً من طينة واحدة ، وان للجميع الحق في العيش ، وان التغطرس والجشع والظلم تجاوز للحدود الإنسانية ، وخروج على النظم الكوني ، وإساءة إلى الطبيعة التي وزعت الطاقات ومنهل السعادة على جميع الناس .
والسعادة الحقيقية (( عنقاء )) وشبح وهمي ، فلا هي في الغنى ، ولا هي في المتعة ، ولا هي في ا شيء خارجي. إنها في رضى و الاقتناع بما قسم لكل واحد منا ؛ إنها انطواءة إلى سواه :
فتشت جيب الفجر عنها والدجى ------ ومددت حتى للكواكب إصبعي
ولكم دخلت إلى القصور مفتشاً -------- عنها وعجت بدارسات الأربع
إن لاح طيف قلت يا عين انظري، ------- أو رن صوت قلت يا أذن اسمعي
حتى إذا نشر القنوط صبابة ------------- فوقي فغيبني وغيب موضعي
عصر الأسى روحي فسالت أدمعاً ----- فلمحتها ولمستها في أدمعي
وعلمت حين العلم لا يجدي الفتى ----- أن التي ضيعتها كانت معي
ومن أنجع عوامل السعادة الإنسانية في هذه الحياة أن يكون الإنسان ، في قناعته ، مصدر عطاء ، أي أن يشرك الناس فيما يرضاه لنفسه ، وأن يكون عطاؤه اندفاقاً ذاتياً كأنفاق الماء من الينبوع والنور من الشمس .
وايليا أبو ماضي يقف من حقيقة الوجود ، في مصادره ومصايره ، وفي تركيبه ، موقفاً لا أدريا مشهوراً ، وقصيدته ((نضلاسم )) من أشهر ما دار على . فهو ، وإن مؤمناً وبعيداً عن الكفر ، لا يحجم قسمه عن بعض الفلتات التي لا من الشك والقلق العقائدي .
ميزات شعر ايليا أبي ماضي
تظهر في شعر أبي الماضي قوة الحياة متدفقة العاطفية ، فيشعر الناس على طبقاتهم ومذاهبهم وعلى تباعد أوطانهم ومشاربهم أنهم يرون فيه صورة عن نفسهم نوازعهم وآماهم وتفكيرهم .
وأول ما يستلفت النظر هو أن أبا الماضي يسير في شعره نحو أهداف تنبع من المجتمع وتستمد قوتها وعمقها من صدق صاحبها وإخلاصه ، ومن اتصال وشغف بالطبيعة بحيث يأخذ مواضيعه وأمثلته وإهامه من نباتها وجمادها ، من أشواكها من مائها وسمائها ، ومن حيوانها وطيرها .
ويصطبغ شعر أبي الماضي بالصبغة الفلسفية . هو يحب الحياة ويجب إلا ويصورها لهم نقية حلوة ويستهف سعادة المجتمع ، ويدعوه إلى تنقية الحياة من والأدران .
أما أسلوبه الشعري فهو صاف رقراق كفقسه نقرأه بثغور مشرقة وقلوب والأمل . هو أسلوب البساطة والوضوح الذي يحمل أبعد معاني الحياة .
والذي يزود شعر أبي الماضي بعناصر الحيوية والتأثير هو أن شعره ينبع من قلبه ما يقرب هذا الشعر إلى النفوس نواح ثلاثة : النزعة الإنسانية ، والدعوة إلى محبة واستلهام الطبيعة .
وتعجبك عند أبي الماضي هذه الثورة التي تمزق الأقنعة المزيفة وتكشف للإنسان ذاته في عريها الجميل ، في براءتها وأصالتها ، في حقيقتها التي لا تعرف التشويه والخداع ؛ إنها عملية غوص على الجوهر المدفون تحت ستاءر الوهم والضياع ، إنها الدعوة الصادقة إلى الإعراض عن التوافه والتخلي عن بشاعة الغرور والادعاء ، للوقوف بنصاعة أمام مجهر الحقيقة ، أمام وجه الشمس التي تحرق بأشعتها كل البراقع ولا يكبر في عينيها إلا الذين طهرت نفوسهم وسمت عن لأدران الكذب والبغض والاستبداد .
وأبي الماضي في محاولته الإنسانية ، قد لا يكون من الذين قبضوا على الرؤى البعيدة الكامنة في أعماق الإنسان ، ولكن استطاع ، بالجدل والاستفهام والخبر ، أن يجسد الفكرة التي رمى إليها ، وأن يكون مؤثراً ومقنعاً في آن واحد . فالأمثل التي عرضها والتأكيد على ضعف الإنسان وحقارته تشير إلى براعة أبي الماضي في استنفاد المعنى وتطويقه من كل جوانبه بحيث يسمي الغرض واضحاً والغاية مقيدة.
يغلب على أسلوب أبي الماضي طابع الجمود ، فهو على متانة اللفظة وأصالتها ، لا يقبض على الكلمة ذات المضمون النغمي الذي يذيب النفس ويحملها في نشوة الذهول إلى عوالم السمفونيات الشعرية الخالدة . الكلمة عند أبي الماضي مقيدة بالمعنى شأن الكلمة العلمية ، إنه يكتب تعقاه لا بشروده وانخطافه ، يكتب بوعيه لاباغترابه خلف جدران الصمت والتجربة النفسية المزلزلة .
شعر أبي الماضي يهز النفوس ويطربها ولكنه لا يترك فيها الجرح الذي تبغيه الأعمال الشرعية العظيمة ، ولا النشوة التي يعيشها القارئ في إيجاره خلف الصورة وغرقه في بحور الضوء والظل واللون والرموز .
إنه يكثر من الاستفهام والجواب والنفي والنداء ملبياً بذلك حاجة مباشرة في النفس تزول حالما ينتهي وقعها .
ومهما يكن من أمر يظل أبي الماضي من الرواد الذين فتحوا صدر الشعر لغير الغنائية الذاتية فورعوا فيه مواسم جديدة لموضوعات شعرية جديدة تتناول الإنسان ، في شتى صوره ، وتتناوله فكرة وجوهراً ، نفساً وعقلاً ، تطل عليه بغير المنظار الذي ألفناه وتعالجه بغير الرؤية التي قزمته.
أبي الماضي الشاعر الإنساني واحد من القلائل الذين كان لهم شرف المحاولة في تطويع الشر العربي للإغراض الإنسانية الكبيرة
تاريخه
ولد ايليا أبو الماضي في قرية المحدثة من قضاء المتن بلبنان ، وكانت مدرسة القرية أول بيت علم دخله ونال من علمه ما استطاع نيله ؛ وفي سنة 1902 حدثته نفسه بالهجرة إلى اميركة ، فترك قريته وتوجه أولا إلى الإسكندرية حيث كان له عم يتعاطى بيع السجاير .
قال أبو الماضي في ذلك : (( وفي الإسكندرية تعاطيت بيع السجاير في النهار في متجر عمي ، وفي الليل كنت أدرس النحو و الصرف وتارة على نفسي ، وتارة في بعض الكتاتيب )) .
وهكذا راح الفتى يحصل من العلم ما استطاع التحصيل ، إلى أن كانت سنة 1911 فأصدر ديوانه الأول بعنوان (( تذكار الماضي )).
إلا أن الحياة في مصر لم تقدم له كل ما كان يصبو إليه ، وفي سنة 1912 يمم الولايات المتحدة التي جذبت الألوف من أبناء وطن ، واستقر في مدينة سنسناتي إلى جانب أخيه مراد يعمل في التجارة ويملأ أوقات فراغه بالدرس والمطالعة و نظم الشعر . وفي سنة 1916 انتقل إلى نيويورك وإلى حياة الصحافة والأدب ، فعهد إليه في تحرير ((المجلة العربية )) ، وفي سنة 1918 عهد إليه في تحرير مجلة ((مرآة الغرب )) لصاحبها نجيب دياب ، و في سنة 1929 أنشأ مجلة (( السمير )) وقد حولها سنة 1936 إلى جريدة يومية . وكان في سنة 1920 قد اشترك في تأسيس (( الرابطة القلمية )) وكان شاعرها الفذ الذي غزا صسته العالمين القديم والجديد . وفي سنة 1957 توفاه الله وهو لا يزال في أوج نشاطه الصحفي والشعري .
أدبه
لإيليا ماضي عدة دواوين شعر نشر منها في حياته (( تذكار الماضي )) {1911} ، و ((ديوان ايليا أبي الماضي )) {1918} ، و ((الجداول )) {1927} ، و ((الخمائل)) {1946} وبعد وفاته ، أي في سنة 1960 نشرت له دار العلم للملايين في بيروت ديوانه الأخير بعنوان ((تبر وتراب)) .
شعر ايليا أبي ماضي
تطور شعر أبي ماضي مع الزمن والبيئة ، فكان في مصر تقليداً للشعر القديم ، وجارياً على خطة شعر البار ودي وشوقي و حافط ، وعندما انتقل الشاعر إلى العالم الجديد ، وقد ازداد نضجاً وثقافة آفاق ، راح يواكب رفاقه في الرابطة القلمية ، ويقدم للعالم شعراً جديداً يعبر عن نفسية العصر وروحية البيئة . قال زهير مبرزا في مقدمة المجموعة التي أصدرتها دار اليقظة لشعر أبي ماضي : (( إذا نظرت في ديوانيه ( الجداول والخمائل ) فلن تجد المطالع الفخمة التي تذكرك بالمعلقات أو بلاميتي العرب والعجم وما اتصل بذلك . وإنما تجد لوناً جديداً ليس فيه إلا محاولة التعبير عن أفكار جديدة هي وليدة التي عاشها مع زملائه أعضاء الرابطة القلمية )) .
فلسفة الحياة في شعر أبي ماضي : الحياة في نظر ايليا أبي الماضي سانحة من سوانح الوجود يجدر بالإنسان أن يغتنمها منفحاً على جمالها ومستمتعاً بما تقدمه له من نعمة ، وما توفره له من متعة :
إن الحياة قصيدة أعمارنا أبياتها والموت فيها القافيه
متع لحظك في النجوم وحسنها --------- فلسوف تمضي والكواكب باقيه
وفي هذه الفلسفة التي تبدو مشرقة والتي تسمعها على ألسنة الكثيرين من الناس تلمس في أعماقها مأساة الوجود ، ويصعقك (( المضي )) الذي تنتهي إليه ، فهي فلسفة الموت تحت غطاء كثيف من الورود والابتسامة والتفاؤل ؛ وهكذا فأبو ماضي يحاول أن يخرج الإنسان من هاوية حقيقية الزوالية ، إلى أجور التفاؤلية التي تجعله يعيش غارقاً في جمالية الموجود .
وقبل أن يعلن هذه الفلسفة عانى الشاعر ما يعانيه كل إنسان عندما ينظر بعمق إلى مصيره ، ولا شك أنه واجه في داخله الصراع الذي يقوم بين عوامل التشاؤم وعوامل التفاؤل ،ولا شك أنه تقلب بين هذه وتلك ، ورأى في آخر المطاف أن الاستسلام للتشاؤم مموت مبكر ، وأن العيش في أجواء التفاؤل إبعاد للملل واليأس والانتحار المعنوي .
أما الحياة الاجتماعية في نظر ايليا أبو ماضي فهي حياة الواقع الإنساني التي يجب على الإنسان أن يلبسها كما هي ، فيقتنع بما تقدمه له ، ولا يطلب من الناس أكثر مما يستطيعون أن يعطوا ، على أن الشاعر يريد أن يعرف الناس أنهم جميعاً من طينة واحدة ، وان للجميع الحق في العيش ، وان التغطرس والجشع والظلم تجاوز للحدود الإنسانية ، وخروج على النظم الكوني ، وإساءة إلى الطبيعة التي وزعت الطاقات ومنهل السعادة على جميع الناس .
والسعادة الحقيقية (( عنقاء )) وشبح وهمي ، فلا هي في الغنى ، ولا هي في المتعة ، ولا هي في ا شيء خارجي. إنها في رضى و الاقتناع بما قسم لكل واحد منا ؛ إنها انطواءة إلى سواه :
فتشت جيب الفجر عنها والدجى ------ ومددت حتى للكواكب إصبعي
ولكم دخلت إلى القصور مفتشاً -------- عنها وعجت بدارسات الأربع
إن لاح طيف قلت يا عين انظري، ------- أو رن صوت قلت يا أذن اسمعي
حتى إذا نشر القنوط صبابة ------------- فوقي فغيبني وغيب موضعي
عصر الأسى روحي فسالت أدمعاً ----- فلمحتها ولمستها في أدمعي
وعلمت حين العلم لا يجدي الفتى ----- أن التي ضيعتها كانت معي
ومن أنجع عوامل السعادة الإنسانية في هذه الحياة أن يكون الإنسان ، في قناعته ، مصدر عطاء ، أي أن يشرك الناس فيما يرضاه لنفسه ، وأن يكون عطاؤه اندفاقاً ذاتياً كأنفاق الماء من الينبوع والنور من الشمس .
وايليا أبو ماضي يقف من حقيقة الوجود ، في مصادره ومصايره ، وفي تركيبه ، موقفاً لا أدريا مشهوراً ، وقصيدته ((نضلاسم )) من أشهر ما دار على . فهو ، وإن مؤمناً وبعيداً عن الكفر ، لا يحجم قسمه عن بعض الفلتات التي لا من الشك والقلق العقائدي .
ميزات شعر ايليا أبي ماضي
تظهر في شعر أبي الماضي قوة الحياة متدفقة العاطفية ، فيشعر الناس على طبقاتهم ومذاهبهم وعلى تباعد أوطانهم ومشاربهم أنهم يرون فيه صورة عن نفسهم نوازعهم وآماهم وتفكيرهم .
وأول ما يستلفت النظر هو أن أبا الماضي يسير في شعره نحو أهداف تنبع من المجتمع وتستمد قوتها وعمقها من صدق صاحبها وإخلاصه ، ومن اتصال وشغف بالطبيعة بحيث يأخذ مواضيعه وأمثلته وإهامه من نباتها وجمادها ، من أشواكها من مائها وسمائها ، ومن حيوانها وطيرها .
ويصطبغ شعر أبي الماضي بالصبغة الفلسفية . هو يحب الحياة ويجب إلا ويصورها لهم نقية حلوة ويستهف سعادة المجتمع ، ويدعوه إلى تنقية الحياة من والأدران .
أما أسلوبه الشعري فهو صاف رقراق كفقسه نقرأه بثغور مشرقة وقلوب والأمل . هو أسلوب البساطة والوضوح الذي يحمل أبعد معاني الحياة .
والذي يزود شعر أبي الماضي بعناصر الحيوية والتأثير هو أن شعره ينبع من قلبه ما يقرب هذا الشعر إلى النفوس نواح ثلاثة : النزعة الإنسانية ، والدعوة إلى محبة واستلهام الطبيعة .
وتعجبك عند أبي الماضي هذه الثورة التي تمزق الأقنعة المزيفة وتكشف للإنسان ذاته في عريها الجميل ، في براءتها وأصالتها ، في حقيقتها التي لا تعرف التشويه والخداع ؛ إنها عملية غوص على الجوهر المدفون تحت ستاءر الوهم والضياع ، إنها الدعوة الصادقة إلى الإعراض عن التوافه والتخلي عن بشاعة الغرور والادعاء ، للوقوف بنصاعة أمام مجهر الحقيقة ، أمام وجه الشمس التي تحرق بأشعتها كل البراقع ولا يكبر في عينيها إلا الذين طهرت نفوسهم وسمت عن لأدران الكذب والبغض والاستبداد .
وأبي الماضي في محاولته الإنسانية ، قد لا يكون من الذين قبضوا على الرؤى البعيدة الكامنة في أعماق الإنسان ، ولكن استطاع ، بالجدل والاستفهام والخبر ، أن يجسد الفكرة التي رمى إليها ، وأن يكون مؤثراً ومقنعاً في آن واحد . فالأمثل التي عرضها والتأكيد على ضعف الإنسان وحقارته تشير إلى براعة أبي الماضي في استنفاد المعنى وتطويقه من كل جوانبه بحيث يسمي الغرض واضحاً والغاية مقيدة.
يغلب على أسلوب أبي الماضي طابع الجمود ، فهو على متانة اللفظة وأصالتها ، لا يقبض على الكلمة ذات المضمون النغمي الذي يذيب النفس ويحملها في نشوة الذهول إلى عوالم السمفونيات الشعرية الخالدة . الكلمة عند أبي الماضي مقيدة بالمعنى شأن الكلمة العلمية ، إنه يكتب تعقاه لا بشروده وانخطافه ، يكتب بوعيه لاباغترابه خلف جدران الصمت والتجربة النفسية المزلزلة .
شعر أبي الماضي يهز النفوس ويطربها ولكنه لا يترك فيها الجرح الذي تبغيه الأعمال الشرعية العظيمة ، ولا النشوة التي يعيشها القارئ في إيجاره خلف الصورة وغرقه في بحور الضوء والظل واللون والرموز .
إنه يكثر من الاستفهام والجواب والنفي والنداء ملبياً بذلك حاجة مباشرة في النفس تزول حالما ينتهي وقعها .
ومهما يكن من أمر يظل أبي الماضي من الرواد الذين فتحوا صدر الشعر لغير الغنائية الذاتية فورعوا فيه مواسم جديدة لموضوعات شعرية جديدة تتناول الإنسان ، في شتى صوره ، وتتناوله فكرة وجوهراً ، نفساً وعقلاً ، تطل عليه بغير المنظار الذي ألفناه وتعالجه بغير الرؤية التي قزمته.
أبي الماضي الشاعر الإنساني واحد من القلائل الذين كان لهم شرف المحاولة في تطويع الشر العربي للإغراض الإنسانية الكبيرة
0 التعليقات:
إرسال تعليق