العلاقات الاقتصادية بين الذهب والبترول
أحمد العثيم
أثار الذهب والبترول جدالاً واسعاً في الأوساط العالمية الاقتصادية والسياسية مرات عدة، نظراً لما يتمتعا به من ميزات ومقومات أدت بهما الى قمة الأسواق العالمية، حتى وإن كان أي منهما في حال تراجع وهبوط فللبترول أهمية بالغة في النمو الاقتصادي لأي دولة، إضافة الى أنه لعب أدواراً متعددة كان لها أثر في العلاقات الدولية التي أصبح يشوبها التوتر والغموض. أما الذهب فيحظى بشهرة اقتصادية عالمية نظراً لكونه أحد أشهر المعادن النفيسة، والتي يتفق الجميع على اختلاف ميولهم على اقتنائه، إضافة الى أن الأفراد يسعون إليه لإحساسهم بالفخر لامتلاكه، واستخدامه ملاذاً آمناً في أوقات الأزمات والحروب لذا، فإن الذهب والبترول نالا اهتماماً كبيراً من جانب المتخصصين منذ اكتشافهما نظراً للعلاقات الاقتصادية المتشعبة بينهما وبين الكثير من المتغيرات الاقتصادية الأخرى وفي ضوء ذلك تأتي أهمية دراسة العلاقة بين الذهب والبترول وتوضيحها حتى يمكن معرفة مدى تأثير كل منهما في الآخر. تناول الكثير من الخبراء والمتخصصين هذه العلاقة من قبل، وتوصلوا الى أن هناك اعتقاداً سائداً بأن لارتفاع أسعار الذهب علاقة وطيدة بأسعار الطاقة والنفط، من منطلق أن لسعر النفط علاقة بإنتاجية معظم السلع لأنه يمثل جزءاً من مكونات التكلفة لأي سلعة، سواء النقل أو الإنتاج أو غيرهما وعند حدوث أي تغيرات في أسعاره، فإن ذلك يؤثر في الاقتصاد المحلي من خلال إحداث تغيرات في أسعار السلع المحلية سواء كان التغير بالارتفاع أو الهبوط. وفي حالة الذهب الذي يعد سلعة استراتيجية مهمة حافظة للثروة، فإن القول بوجود علاقة بينه وبين النفط ليست اعتباطية، فكلما ازدادت أسعار البترول تحدث زيادة في أسعار الذهب، ولنا أن نتصور كيف تحدث هذه العلاقة ويمكن إيجاز ذلك في النقاط الآتية: أولاً: من خلال المشاهدات والتحليلات يتضح لنا أن عند ارتفاع أسعار الذهب تحدث طفرات في أسعار البترول. ففي الوقت الذي كان يحقق أسعاراً مرتفعة، كانت أسعار الذهب تتجه في الاتجاه ذاته. ويتضح ذلك من خلال تحليلنا أسعار كل من الذهب والبترول. ففي الربع الأول من عام 2005 وصلت أسعار البترول الى مستويات عالية تخطت حاجز الخمسين دولاراً حتى بلغت نحو 60.55 دولار للبرميل. وفي الوقت ذاته كانت أسعار الذهب تواصل ارتفاعها حتى بلغت في نيسان (ابريل) الماضي نحو 428.93 دولار للأونصة، ثم وصل سعر البرميل في تشرين الأول (اكتوبر) الى 93 دولاراً ووصل سعر أونصة الذهب الى 777 دولاراً، أي أن ارتفاع مقياس النفط يدفع الذهب نحو الارتفاع. ثانياً: ارتفاع أسعار البترول يؤدي الى ارتفاع حصيلة الدخل القومي للدول المنتجة، ما يؤدي الى ارتفاع مستوى دخل الأفراد، الذي يؤدي بدوره الى ارتفاع مستوى المعيشة، ما يتيح للأفراد في هذه الحالة موارد تنفق على إشباع الحاجات الأساسية والضرورية، ثم بعد ذلك يتجهون نحو إشباع حاجتهم الى الكماليات ومنها الذهب، فيزيد الطلب عليه وبالتالي ترتفع أسعاره إضافة الى استخدامه كأداة مهمة آمنة للاستثمار والاحتياط للمستقبل، بعيداً من المشاكل التي تنجم عن الاستثمار في الأسهم والسندات والمضاربات. ثالثاً: هناك عامل آخر لا يقل أهمية. ففي بعض الأحيان يلجأ المضاربون الكبار في البورصات العالمية للذهب الى رفع أسعاره رغبة منهم في امتصاص الزيادة التي حدثت في حصيلة العائدات البترولية والناتجة من ارتفاع أسعار البترول وفي هذا السياق تجدر الإشارة الى أن ارتفاع أسعار الذهب والبترول له عوامل ومحددات ترتبط بمدى الارتفاع أو الانخفاض في أسعار كل منهما، تخرج عن نطاق العرض والطلب. أما عن العوامل المحددة لارتفاع أسعار الذهب، فيأتي نقص الإنتاج في الدرجة الأولى، ما يؤدي الى نقص المعروض منه وذلك بسبب توقف بعض الدول المنتجة عن زيادة انتاجها من الذهب وطرحه لأسباب عدة. وهنا يلاحظ وجود علاقة عكسية بين كمية الذهب المعروضة والسعر، فكلما انخفض المعروض ارتفع السعر والعكس صحيح. إضافة الى تأثير انخفاض أسعار الفائدة في أسعار الذهب. فمن الثابت في حال انخفاض أسعار الفائدة أن يلجأ الأفراد الى تحويل المدخرات النقدية لديهم الى ذهب، وذلك من منطلق أن الذهب يتميز بثبات القيمة حتى في أوقات الأزمات واندلاع الحروب والاضطرابات الدولية، التي تؤثر في أداء الاقتصاد العالمي إضافة الى إمكان التأثير في أسعار الذهب بالارتفاع من خلال زيادة كمية الاحتياط الموجود لدى الدول المتقدمة، في حال وجود دوافع ومؤثرات سياسية من جانب هذه الدول. أما بالنسبة الى ارتفاع أسعار البترول فهو يتمثل في: نقص القدرات الإنتاجية، وضعف المخزون في الدول خارج «أوبك»، إضافة الى التقلبات والتغيرات السياسية التي تلعب دوراً مهماً في ارتفاع أسعار النفط مثلما حدث في بداية الغزو الأميركي للعراق، كما تلعب المضاربة في سوق النفط دوراً مهماً في تحديد الأسعار، وكذلك قدرة المصافي على تأمين الكمية الكافية للسوق، والاضطرابات الأمنية في بعض الدول المنتجة، والمخاوف من أعمال عسكرية كالتي يوحي بها الوضع النووي الإيراني، والحشود العسكرية التركية على حدود كردستان العراق... ويربط بين الذهب والنفط رابط وثيق، فالاثنان سلعتان استراتيجيتان تتأثران في شكل سريع بالتحولات الدورية، خصوصاً في مناطق الإنتاج. *خبير في المعادن النفيسة وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق. المصدر:الحياة اللندنية-10-11-2007
أحمد العثيم
أثار الذهب والبترول جدالاً واسعاً في الأوساط العالمية الاقتصادية والسياسية مرات عدة، نظراً لما يتمتعا به من ميزات ومقومات أدت بهما الى قمة الأسواق العالمية، حتى وإن كان أي منهما في حال تراجع وهبوط فللبترول أهمية بالغة في النمو الاقتصادي لأي دولة، إضافة الى أنه لعب أدواراً متعددة كان لها أثر في العلاقات الدولية التي أصبح يشوبها التوتر والغموض. أما الذهب فيحظى بشهرة اقتصادية عالمية نظراً لكونه أحد أشهر المعادن النفيسة، والتي يتفق الجميع على اختلاف ميولهم على اقتنائه، إضافة الى أن الأفراد يسعون إليه لإحساسهم بالفخر لامتلاكه، واستخدامه ملاذاً آمناً في أوقات الأزمات والحروب لذا، فإن الذهب والبترول نالا اهتماماً كبيراً من جانب المتخصصين منذ اكتشافهما نظراً للعلاقات الاقتصادية المتشعبة بينهما وبين الكثير من المتغيرات الاقتصادية الأخرى وفي ضوء ذلك تأتي أهمية دراسة العلاقة بين الذهب والبترول وتوضيحها حتى يمكن معرفة مدى تأثير كل منهما في الآخر. تناول الكثير من الخبراء والمتخصصين هذه العلاقة من قبل، وتوصلوا الى أن هناك اعتقاداً سائداً بأن لارتفاع أسعار الذهب علاقة وطيدة بأسعار الطاقة والنفط، من منطلق أن لسعر النفط علاقة بإنتاجية معظم السلع لأنه يمثل جزءاً من مكونات التكلفة لأي سلعة، سواء النقل أو الإنتاج أو غيرهما وعند حدوث أي تغيرات في أسعاره، فإن ذلك يؤثر في الاقتصاد المحلي من خلال إحداث تغيرات في أسعار السلع المحلية سواء كان التغير بالارتفاع أو الهبوط. وفي حالة الذهب الذي يعد سلعة استراتيجية مهمة حافظة للثروة، فإن القول بوجود علاقة بينه وبين النفط ليست اعتباطية، فكلما ازدادت أسعار البترول تحدث زيادة في أسعار الذهب، ولنا أن نتصور كيف تحدث هذه العلاقة ويمكن إيجاز ذلك في النقاط الآتية: أولاً: من خلال المشاهدات والتحليلات يتضح لنا أن عند ارتفاع أسعار الذهب تحدث طفرات في أسعار البترول. ففي الوقت الذي كان يحقق أسعاراً مرتفعة، كانت أسعار الذهب تتجه في الاتجاه ذاته. ويتضح ذلك من خلال تحليلنا أسعار كل من الذهب والبترول. ففي الربع الأول من عام 2005 وصلت أسعار البترول الى مستويات عالية تخطت حاجز الخمسين دولاراً حتى بلغت نحو 60.55 دولار للبرميل. وفي الوقت ذاته كانت أسعار الذهب تواصل ارتفاعها حتى بلغت في نيسان (ابريل) الماضي نحو 428.93 دولار للأونصة، ثم وصل سعر البرميل في تشرين الأول (اكتوبر) الى 93 دولاراً ووصل سعر أونصة الذهب الى 777 دولاراً، أي أن ارتفاع مقياس النفط يدفع الذهب نحو الارتفاع. ثانياً: ارتفاع أسعار البترول يؤدي الى ارتفاع حصيلة الدخل القومي للدول المنتجة، ما يؤدي الى ارتفاع مستوى دخل الأفراد، الذي يؤدي بدوره الى ارتفاع مستوى المعيشة، ما يتيح للأفراد في هذه الحالة موارد تنفق على إشباع الحاجات الأساسية والضرورية، ثم بعد ذلك يتجهون نحو إشباع حاجتهم الى الكماليات ومنها الذهب، فيزيد الطلب عليه وبالتالي ترتفع أسعاره إضافة الى استخدامه كأداة مهمة آمنة للاستثمار والاحتياط للمستقبل، بعيداً من المشاكل التي تنجم عن الاستثمار في الأسهم والسندات والمضاربات. ثالثاً: هناك عامل آخر لا يقل أهمية. ففي بعض الأحيان يلجأ المضاربون الكبار في البورصات العالمية للذهب الى رفع أسعاره رغبة منهم في امتصاص الزيادة التي حدثت في حصيلة العائدات البترولية والناتجة من ارتفاع أسعار البترول وفي هذا السياق تجدر الإشارة الى أن ارتفاع أسعار الذهب والبترول له عوامل ومحددات ترتبط بمدى الارتفاع أو الانخفاض في أسعار كل منهما، تخرج عن نطاق العرض والطلب. أما عن العوامل المحددة لارتفاع أسعار الذهب، فيأتي نقص الإنتاج في الدرجة الأولى، ما يؤدي الى نقص المعروض منه وذلك بسبب توقف بعض الدول المنتجة عن زيادة انتاجها من الذهب وطرحه لأسباب عدة. وهنا يلاحظ وجود علاقة عكسية بين كمية الذهب المعروضة والسعر، فكلما انخفض المعروض ارتفع السعر والعكس صحيح. إضافة الى تأثير انخفاض أسعار الفائدة في أسعار الذهب. فمن الثابت في حال انخفاض أسعار الفائدة أن يلجأ الأفراد الى تحويل المدخرات النقدية لديهم الى ذهب، وذلك من منطلق أن الذهب يتميز بثبات القيمة حتى في أوقات الأزمات واندلاع الحروب والاضطرابات الدولية، التي تؤثر في أداء الاقتصاد العالمي إضافة الى إمكان التأثير في أسعار الذهب بالارتفاع من خلال زيادة كمية الاحتياط الموجود لدى الدول المتقدمة، في حال وجود دوافع ومؤثرات سياسية من جانب هذه الدول. أما بالنسبة الى ارتفاع أسعار البترول فهو يتمثل في: نقص القدرات الإنتاجية، وضعف المخزون في الدول خارج «أوبك»، إضافة الى التقلبات والتغيرات السياسية التي تلعب دوراً مهماً في ارتفاع أسعار النفط مثلما حدث في بداية الغزو الأميركي للعراق، كما تلعب المضاربة في سوق النفط دوراً مهماً في تحديد الأسعار، وكذلك قدرة المصافي على تأمين الكمية الكافية للسوق، والاضطرابات الأمنية في بعض الدول المنتجة، والمخاوف من أعمال عسكرية كالتي يوحي بها الوضع النووي الإيراني، والحشود العسكرية التركية على حدود كردستان العراق... ويربط بين الذهب والنفط رابط وثيق، فالاثنان سلعتان استراتيجيتان تتأثران في شكل سريع بالتحولات الدورية، خصوصاً في مناطق الإنتاج. *خبير في المعادن النفيسة وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق. المصدر:الحياة اللندنية-10-11-2007