الأحد، 19 سبتمبر 2010

الدولة النائمة ومحاكمة العفاريت

يتداول بعض أعضاء المجموعات البريدية المنتشرة على شبكة «الإنترنت» الكثير من الصور التى تسخر من مشكلات تعانيها مصر، ومن بينها صورة تتكرر دائماً لجندى حراسة بسيط، يمسك سلاحه بقبضة واهية، ويجلس فى أحد الأكشاك، أو يستند إلى جدار، بملابسه البيضاء المتقشفة، فيما يفغر فاهه، ويغط فى نوم عميق.
لا أعرف سر إعجاب نشطاء «الإنترنت» بتلك الصورة بالذات، فثمة رؤساء دول وأعضاء برلمانات وفنانون وسياسيون ومفكرون كبار ينامون أيضاً فى أوقات عملهم، أو فى الموضع الذى يجب أن يكونوا فيه فى غاية التيقظ، لكن صورة «الحارس النائم» بالذات تحظى لدينا بكثير من الاهتمام، ربما لأنها تعبر برمزية مثالية عن واقع نعيشه.
فرغم أن الآونة الأخيرة شهدت جدلاً محتدماً حول ما إذا كانت دولتنا «رخوة» أو «فاشلة» إلا أن التطورات المتلاحقة باتت تشير إلى أن دولتنا نامت، وأنها تغلق عينيها عن مواطن مسؤولياتها، وتمسك بسلاحها بقبضة واهية، وتفغر فاها، فلا يُسمع منها إلا كلام مرتبك وأصوات شخير.
يقف العالم مشدوهاً يضرب أخماساً فى أسداس، وتتدفق التقارير من وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الكبرى، ويتداول الساسة الأمر فى السر والعلن، ويتحول البلد إلى علامة استفهام كبرى، تطرح سؤالاً مصيرياً على الصعد المحلية والإقليمية وجوهرياً على المستوى العالمى، بخصوص مستقبل الخلافة فى مصر، لكن الدولة لا تكترث، ولا تكلف نفسها عناء الاستيقاظ برهة لطمأنة الملهوفين.
تهرب الاستثمارات من البلاد، وتتحول فرص العمل فيها خلال السنوات القليلة المقبلة إلى «فرص عالية المخاطر»، وتزيد حدة التدخلات والابتزاز والقابلية للاستجابة للضغوط، فيما الدولة ماضية فى تكثيف الغموض والاستقالة من واجبها فى طمأنة الرأى العام فى الداخل والخارج.
حاول أن تعيد قراءة عناوين الصحف المصرية التى صدرت على مدى الأسبوع الماضى، لتعرف إلى أى حد تخلت دولتنا عن واجباتها ومسؤولياتها، وأغرت بنفسها وبرعاياها كل طامع وفاسد.
فحكم المحكمة الإدارية العليا بتثبيت بطلان عقد «مدينتى» لم يكشف فقط عن حجم الفساد الهائل الذى أغرق معظم الأداء الحكومى فى السنوات الماضية، لكنه كشف أيضاً عن دولة تدافع عن وقائع فاسدة سواء بتبنيها أو غض الطرف عنها، فضلاً عن كونها لا تمتلك رؤية واضحة لإصلاح أخطائها واحتواء التداعيات التى طالت مئات الآلاف من رعاياها وأضرت بالاقتصاد الوطنى.
شهدت مصر فى الآونة الأخيرة زيادة مطردة فى اللجوء إلى القضاء من قبل قطاعات عديدة فى المجتمع المصرى، كما بات تقديم البلاغات المتبادلة بين أطراف النزاعات إلى النائب العام بمثابة رياضة شعبية يمارسها الجميع، سواء تعلق الأمر بالحقوق والمسؤوليات الجدية أو تنطعاً وطلباً للشهرة وسعياً للابتزاز.
ويحلو للبعض تفسير ذلك الأمر على أنه تكريس لعدالة القضاء وثقة فيه وإيمان بقدسيته، خصوصاً أن القضاء هو جزء أصيل من الدولة وإحدى سلطاتها، والواقع أنه تعبير عن فقدان الدولة اعتبارها، واستقالتها من السهر على تنظيم أحوال المواطنين، وانسداد القنوات بينها وبينهم، وتراجع الثقة فيها إلى أدنى الدرجات.
لا يقتصر الأمر على تراجع الثقة فقط، فالنائم لا يحظى عادة بالهيبة التى يتمتع بها اليقظ، ولذلك فقد أمكنك أن تقرأ الأسبوع الماضى أن عناصر من بدو سيناء اعترضوا على أحكام صدرت بحق أبناء بعض القبائل بإطلاق النيران على سيارات تعبر شبه الجزيرة، وأنهم توعدوا باستهداف مسؤولين أمنيين وإثارة المشكلات والقلاقل فى هذا الجزء الحساس من أراضى الدولة.
وقد حدث الأسبوع الماضى أيضاً، أن مواطناً مصرياً يدعى شادى الغزالى حرب خُطف من مطار القاهرة، وعُصبت عيناه، وأُقتيد إلى مكان سرى، وخضع للتحقيق ليومين، ثم أُطلق سراحه، من دون أن يعرف أحد من خطفه، ووفق أى قانون أو إجراء، وأين ذهب، وكيف عاد، وما تهمته، ومن المسؤول عن مخالفة مروعة مثل تلك، وما الضامن أن أحداً من رعايا الدولة لن يخطف أو يحتجز بلا إذن نيابة أو غطاء قانونى أو حقوق مدنية.
مازالت الدولة نائمة، لذلك فإن مواطنين مصريين أيضاً يُخطفون إلى جهات غير معلومة، ويخضعون لغسل مخ (أو إعادة غسل مخ)، ويحرمون من حقوقهم المدنية وحريتهم فى الاعتقاد.
سُئل الأنبا بيشوى سكرتير المجمع المقدس، الأسبوع الماضى، عن مكان كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين، المنتقلتين المفترضتين إلى الإسلام من المسيحية، فأجاب: «فى مكان آمن للحفاظ على حياتهما، ووزارة الداخلية تعلم يقيناً أنهما فى منتهى السلامة».




دولتنا نامت عن واجباتها ومسؤولياتها بل وأمنها أيضاً، لكنها نامت بمعدة مرتبكة، ودماء فائرة، وعظام متعبة، ورأس مثقل، لذلك فلن تنجو من الكوابيس


منذ ألغينا الطرابيش وضعنا مكانها «بطحة»، فهل هذا بلد مريض يستحق الإفراج الصحى؟ أم عليه عفاريت؟ إذ تجوب العفاريت العالم كله لكنها لا تجد مقاساتها إلا فى بلادنا، فيركب العفريت المواطن ويركب المواطن الأتوبيس ويركب الأتوبيس العربة التى أمامه ليطبق قانون المرور ويطبق رفرف العربية.. لذلك يركب رجل لجنة وتركب اللجنة حزباً ويركب الحزب دولة فيصبح عندنا أربعة توائم ملتصقين لو فصلت أحدهم مات، هم الحزب والحكومة والنظام والدولة، فلا تستطيع أن تحدد اتجاه العربة ولا موضع الأتوبيس، ومَنْ العفريت الذى عنده سلطة بلا منصب،
ومَنْ الشبح الذى عنده منصب بلا سلطة، فهذه دولة تديرها العفاريت والأشباح.. فكلنا يعرف واجبات المسؤول فى منزله لكننا لا نعرف واجباته فى مكتبه.. وفى هذا الضباب يخرج الوزير براءة وتُقيد التهمة ضد «عفريت» يتم «صرفه» من سراى النيابة.. وهو نفس العفريت الذى يربط بين «أسانسير» البنك و«سلم» الطائرة.. وهو العفريت الذى يقتل وتسجل الجريمة ضد مجهول واللي سرق اللوحة.. وعندنا فيلم بعنوان «الفقراء لا يدخلون الجنة» والعفاريت لا يدخلون السجن..




المصرى اليوم

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Bookmark and Share

أقسام المدونة

2015 (1) أبراج (44) اتصالات (113) أحياء (1) اخبار (136) اخطاء (1) ادسنس (2) ادعيه (7) أزواق (1) إستخراج (1) إسرائيل (7) اسرار (1) أعشاب (19) أعياد (1) أغانى (7) أفريقيا (1) أفكار (2) أفلام (4) إقتصاد (19) الأردن (2) الأرض (12) الاسره (1) الأطفال (33) الإلكترونيه (3) الألوان (1) الأنبياء (1) البحرين (1) البشرة الدهنيه (1) البيئة (14) الترتيب (1) الجزائر (2) الجن (1) الربح (7) الرجل (40) الرسول (12) الزواج وأنواعه (31) السعوديه (10) الشبكة (9) الشعر (30) الشمس (6) الشوربات (19) الشيطان (2) الصيف (1) الصين (2) ألعاب (3) العالم (19) العراق (3) العنكبوتيه (1) الفراسه (6) القمر (4) القنوات الأجنبية (3) الكويت (1) الله (20) ألمانيا (2) المرأه (96) المغرب (2) المنصورة (2) الهجرة (7) الهند (2) الهيدروجين (1) أمثال (1) أمراض_الجسم​ (1) أمريكا (10) إنجلترا (1) أوراكل (4) أوروبا (1) إيران (2) إيميلات (5) باكستان (1) بترول (1) بحث (4) برامج (29) برمجة (6) بريطانيا (2) بسكلته (5) بشرتك (10) بطاقات (1) بناء (1) بنوك (2) بورصة (23) تاريخ (45) تحب (3) تحضير (1) تخسيس​ (1) ترددات (15) تركيا (1) تركيب (1) تساقط (8) تطوير المواقع (29) تعريفات (16) تعليم (43) تفاحة​ (1) تفاحة_فى_اليوم​ (1) تكنولوجيا (44) تلوث (3) توقعات (12) تونس (1) تونس. سفارات (1) ثورة (1) جمال (4) جوال (1) جوجل (19) حذف الباتش (1) حساسية (2) حشرات (1) حقائق (1) حقيقه ام خيال (23) حقيقه_وخيال​ (1) حكم (1) حيوانات (5) خضروات (8) خلق (2) دبى (2) دليل (2) دورات أمن المعلومات (19) دورة (4) ديكور (1) دين (120) ذهب (2) رسائل (1) رمز (1) رمضان (9) روسيا (3) رياضه (14) زراعه (9) زيادة (1) سامسونج (1) سفارات (5) سلامة (1) سندوتشات (2) سوريا (1) سويسرا (1) سيارة (6) شخصيات (64) شخصيتك (18) شركات (32) شعر (5) شمس (3) صحتك (289) صلصه (5) صناعة (1) صور (11) طائرات (2) طاقة (3) طاقه المستقبل (1) طاقه حره (2) طب (1) طب_ولا_عك​ (1) طيور (18) عسكرى (25) عسل (1) علاج (70) علم البصريات (6) علماء (1) علوم (18) عيد (1) عيون (17) غاز (2) فتاوى (1) فرنسا (2) فضاء (16) فلسطين (12) فلك (12) فليسطين (3) فوائد (10) فواكة (8) فواكة_وخضروات​ (1) فودافون (4) فوركس (3) فيديو (9) فيس بوك (2) قاعدة البيانات (2) قتال (6) قصص (12) قطر (4) قمر العربسات (2) قيام الليل (1) كاريكتير (3) كتب (12) كربوهيردات​ (1) كمال اجسام (1) كمبيوتر (84) كوبا (1) كوريا (1) كيتو​ (1) كيمياء (23) لغة (1) لهجات (1) ليبيا (1) لينكس (2) مجموعة (1) محرك (4) مسجات (1) مشروعات (4) مصر (111) مطبخك (214) معادن (1) معلومات (29) مقاتلات (1) مقالات (31) مكونات (2) منتجات زراعيه (1) مهارات (1) مواقع (61) موبايل (1) موضه (2) مياه (4) نشيد (1) نصائح (8) نظم (6) نكت (8) نوكيا (15) هندسه (5) هواتف (54) وصايا (1) وظائف (9) ويندوز (3) يوتيوب (5) AdSense (4) AdWords (1) call center (2) ebay (2) Egypt (1) HSPA (2) ORACLE (2) qmax (1) search (1) seo (3) Wikipedia (2)

 
;