بقلم: فاروق شوشة
فاروق شوشة
تستطيع الآن ـ إذا كنت واحدا من نجوم الإعلام في هذا العصر والأوان ـ ان تباهي وتفاخر بحجم ما تدخله الي الخزينة من عائد الإعلانات التي يجتذبها برنامجك لفذ. وما دمت قادرا علي إدخال هذه الملايين ـ نعم, الملايين.
فأنت آمن وصاحب حصانة في وجه أي مساءلة أو خروج منك علي تقاليد العمل الإعلامي وقيم المهنة التي بناها الرواد وشيدوا مبادئها علي مدار عشرات السنين, وأطاح بها الآن الهواة والدخلاء ـ الذين من حسن حظهم ـ أنهم لم يتعلموا حرفا منها, لكنهم تعلموا ما هو أهم وأبقي, أن يعيشوا وهم الزعامة, ووهم قيادة المجتمع وتوجيهه علي هواهم طبقا لحجم نرجسيتهم وفكرتهم عن أنفسهم, دون أن يسألهم أحد: لنفترض أنكم نجحتم في جلب المعلنين وشركات الإعلان من كل حدب وصوب, فما الذي نجحتم في تحقيقه من القيمة أو المضمون الذي يحترمه الناس ويرون فيه مقابلا للوقت الذي أضاعوه أمام ساعات تهدرها حوارات هزيلة, وأسئلة سطحية ـ سبق إنتاجها من قبل في عشرات البرامج ـ وضيوف مكررون ومستنزفون حتي أصبح كلامهم كالطبيخ البايت؟, وإذا ما كان هناك من إضافة تقدمونها, فهي المزيد من اللعب في منطقة الفضائح والمحظورات وكشف المستور, واستفزاز الضيوف ـ بالحق والباطل ـ ودفعهم الي الانفعال والتصرف الطائش الخارج علي حدود اللياقة في ناحية, أو سكب طوفان الدموع ـ نتيجة للتأثير المصطنع ـ من ناحية أخري. والابتذال ـ في الحالين ـ هو الشعار!
ولعل هؤلاء المباهين بما تجنيه برامجهم من عائد الإعلان لم يسألوا أنفسهم مرة واحدة: إذا كان الأمر في ماسبيرو علي هذا القدر من الرواج والانتعاش الذي يقدر بمئات الملايين فلماذا بلغت ديونه ـ علي لسان رئيسة أحد قطاعاته المسئولة التي لها علاقة بالمال ـ أربعة عشر مليارا؟ وتأكدوا معي من الرقم: أربعة عشر مليارا! وهو رقم يكاد يعادل ميزانية مصر منذ سنوات ليست بالبعيدة! كما أنه يفوق ميزانيات ثلاث دول أو أربع من دول آسيا وإفريقيا.
والغريب أن هذه الرئيسة ـ كرم الله لسانها من أجل ما صرحت به ـ كانت تستهجن أن يتحدث أحد عن ديون ماسبيرو لأنها لا تتجاوز هذا الرقم, معلقة بقولها السديد: وإيه يعني؟. ولم يقل لنا أحد من كبار المسئولين ـ إن الرقم غير صحيح, أو أن هذا التصريح ـ الذي نشرته الصحف ـ غير لائق لأنه جاء في غير وقته وأوانه, أو أن هذه السيدة ـ بدورها ـ حاقدة علي ماسبيرو ونجاحه المذهل شأن بعض من يكتبون عنه من منطلق الغيرة والوطنية والرغبة في وضعه علي طريق الصواب ووقف رعب الديون, ويوصفون دوما بأنهم حاقدون وأعداء النجاح. وبخاصة أن الكثير من شباب العاملين في ماسبيرو لم يقبضوا مكافآتهم وحوافزهم ـ في قطاعات لها شأن أي شأن وصيت أي صيت ونفوذ أي نفوذ ـ منذ أربعة شهور أو يزيد, بالرغم من أن شكاواهم لا تتوقف, والاحتياج الشديد لهذه الجنيهات الزهيدة ـ التي يتقاضونها وتقوم عليها حياتهم يوما بيوم لا يقاس بالآلاف المؤلفة التي يقبضها رؤساؤهم في مقابل الإشراف علي الإنتاج, هذا الإشراف ـ الذي إن كان حقيقيا ـ فهو عملهم الأساسي, وإلا فعلام يقبضون مرتباتهم؟
فإذا كان التنافس من أجل حصيلة إعلانات أكثر, هو رصيد النجم الإعلامي ودليل تفرده وتفوقه, والأساس الذي يتوقف عليه سعره عندما ينتقل الي شريحة أعلي, أو من قناة إلي أخري, دون نظر الي قيمة ما يقدمه, ومدي صلاحيته ـ تماما كما ننظر الي السلع المغشوشة ـ وفائدته وجدواه للمواطن ـ ومدي استحقاقه لما ينفق عليه من فاتورة إنتاجية متخمة, فقد بلغ السيل مداه ووصلنا الي الحد ـ الذي لا يسر عدوا ولا حبيبا. وإن كان هناك من سميتهم أساتذة الهمبكة وخبراء الإعلان من أساتذة الإعلام ـ من يرون فيما هو حادث معجزة لم تحدث من قبل, وطفرة نستطيع أن نباهي بها الأمم, ونعزف من جديد علي وتر تآكله الصدأ, اسمه الريادة!
إن بداية الطريق الصحيح تقوم علي مصارحة حقيقية بالسلبيات المتراكمة, التي ليس مسئولا عنها من يصرفون أمورماسبيرو الآن وحدهم, لقد تفاقم الأمر عاما بعد عام, وانفلت زمام القيم والسلوك الإنساني المحترم, مرحلة بعد مرحلة, وأصبح سراع الجشع والتهليب والخطف ـ بكل ضراوته ووحشيته ـ قانونا وحيدا للبقاء والاستمرار, وهرب كثير ممن لايطيقون مثل هذا المناخ الفاسد الي أماكن أخري, أو أدركتهم حبسة اللسان فصمتوا, أو اجتاحتهم العلل القاتلة فاستسلموا لخيانات الجسد.
فإن كنتم حقا تريدون الريادة, وأن تستمروا كبارا كما بدأ السابقون كبارا, فلابد من فكر إعلامي جديد, وأسس موضوعية عادلة لاختيار الأكفاء لاعلاقة لها بالمحظوظين والأقارب ـ وبخاصة علي مستوي القيادات ـ والاهتمام بشباب العاملين وصغارهم, وهم وقود ماسبيرو وطاحونته ـ قبل الاهتمام بالبذخ الذي تتمرغ فيه القيادات, وتقييم ما قدمته شاشات رمضان التي أتخمها المعلنون, فأتخمت الناس, ولم تخاطب عقولهم بقدر ما خاطبت عجزهم واحتياجهم وغلبهم ومهانة أيامهم وواقعهم. وفقكم الله!.
الأهرام
فاروق شوشة
تستطيع الآن ـ إذا كنت واحدا من نجوم الإعلام في هذا العصر والأوان ـ ان تباهي وتفاخر بحجم ما تدخله الي الخزينة من عائد الإعلانات التي يجتذبها برنامجك لفذ. وما دمت قادرا علي إدخال هذه الملايين ـ نعم, الملايين.
فأنت آمن وصاحب حصانة في وجه أي مساءلة أو خروج منك علي تقاليد العمل الإعلامي وقيم المهنة التي بناها الرواد وشيدوا مبادئها علي مدار عشرات السنين, وأطاح بها الآن الهواة والدخلاء ـ الذين من حسن حظهم ـ أنهم لم يتعلموا حرفا منها, لكنهم تعلموا ما هو أهم وأبقي, أن يعيشوا وهم الزعامة, ووهم قيادة المجتمع وتوجيهه علي هواهم طبقا لحجم نرجسيتهم وفكرتهم عن أنفسهم, دون أن يسألهم أحد: لنفترض أنكم نجحتم في جلب المعلنين وشركات الإعلان من كل حدب وصوب, فما الذي نجحتم في تحقيقه من القيمة أو المضمون الذي يحترمه الناس ويرون فيه مقابلا للوقت الذي أضاعوه أمام ساعات تهدرها حوارات هزيلة, وأسئلة سطحية ـ سبق إنتاجها من قبل في عشرات البرامج ـ وضيوف مكررون ومستنزفون حتي أصبح كلامهم كالطبيخ البايت؟, وإذا ما كان هناك من إضافة تقدمونها, فهي المزيد من اللعب في منطقة الفضائح والمحظورات وكشف المستور, واستفزاز الضيوف ـ بالحق والباطل ـ ودفعهم الي الانفعال والتصرف الطائش الخارج علي حدود اللياقة في ناحية, أو سكب طوفان الدموع ـ نتيجة للتأثير المصطنع ـ من ناحية أخري. والابتذال ـ في الحالين ـ هو الشعار!
ولعل هؤلاء المباهين بما تجنيه برامجهم من عائد الإعلان لم يسألوا أنفسهم مرة واحدة: إذا كان الأمر في ماسبيرو علي هذا القدر من الرواج والانتعاش الذي يقدر بمئات الملايين فلماذا بلغت ديونه ـ علي لسان رئيسة أحد قطاعاته المسئولة التي لها علاقة بالمال ـ أربعة عشر مليارا؟ وتأكدوا معي من الرقم: أربعة عشر مليارا! وهو رقم يكاد يعادل ميزانية مصر منذ سنوات ليست بالبعيدة! كما أنه يفوق ميزانيات ثلاث دول أو أربع من دول آسيا وإفريقيا.
والغريب أن هذه الرئيسة ـ كرم الله لسانها من أجل ما صرحت به ـ كانت تستهجن أن يتحدث أحد عن ديون ماسبيرو لأنها لا تتجاوز هذا الرقم, معلقة بقولها السديد: وإيه يعني؟. ولم يقل لنا أحد من كبار المسئولين ـ إن الرقم غير صحيح, أو أن هذا التصريح ـ الذي نشرته الصحف ـ غير لائق لأنه جاء في غير وقته وأوانه, أو أن هذه السيدة ـ بدورها ـ حاقدة علي ماسبيرو ونجاحه المذهل شأن بعض من يكتبون عنه من منطلق الغيرة والوطنية والرغبة في وضعه علي طريق الصواب ووقف رعب الديون, ويوصفون دوما بأنهم حاقدون وأعداء النجاح. وبخاصة أن الكثير من شباب العاملين في ماسبيرو لم يقبضوا مكافآتهم وحوافزهم ـ في قطاعات لها شأن أي شأن وصيت أي صيت ونفوذ أي نفوذ ـ منذ أربعة شهور أو يزيد, بالرغم من أن شكاواهم لا تتوقف, والاحتياج الشديد لهذه الجنيهات الزهيدة ـ التي يتقاضونها وتقوم عليها حياتهم يوما بيوم لا يقاس بالآلاف المؤلفة التي يقبضها رؤساؤهم في مقابل الإشراف علي الإنتاج, هذا الإشراف ـ الذي إن كان حقيقيا ـ فهو عملهم الأساسي, وإلا فعلام يقبضون مرتباتهم؟
فإذا كان التنافس من أجل حصيلة إعلانات أكثر, هو رصيد النجم الإعلامي ودليل تفرده وتفوقه, والأساس الذي يتوقف عليه سعره عندما ينتقل الي شريحة أعلي, أو من قناة إلي أخري, دون نظر الي قيمة ما يقدمه, ومدي صلاحيته ـ تماما كما ننظر الي السلع المغشوشة ـ وفائدته وجدواه للمواطن ـ ومدي استحقاقه لما ينفق عليه من فاتورة إنتاجية متخمة, فقد بلغ السيل مداه ووصلنا الي الحد ـ الذي لا يسر عدوا ولا حبيبا. وإن كان هناك من سميتهم أساتذة الهمبكة وخبراء الإعلان من أساتذة الإعلام ـ من يرون فيما هو حادث معجزة لم تحدث من قبل, وطفرة نستطيع أن نباهي بها الأمم, ونعزف من جديد علي وتر تآكله الصدأ, اسمه الريادة!
إن بداية الطريق الصحيح تقوم علي مصارحة حقيقية بالسلبيات المتراكمة, التي ليس مسئولا عنها من يصرفون أمورماسبيرو الآن وحدهم, لقد تفاقم الأمر عاما بعد عام, وانفلت زمام القيم والسلوك الإنساني المحترم, مرحلة بعد مرحلة, وأصبح سراع الجشع والتهليب والخطف ـ بكل ضراوته ووحشيته ـ قانونا وحيدا للبقاء والاستمرار, وهرب كثير ممن لايطيقون مثل هذا المناخ الفاسد الي أماكن أخري, أو أدركتهم حبسة اللسان فصمتوا, أو اجتاحتهم العلل القاتلة فاستسلموا لخيانات الجسد.
فإن كنتم حقا تريدون الريادة, وأن تستمروا كبارا كما بدأ السابقون كبارا, فلابد من فكر إعلامي جديد, وأسس موضوعية عادلة لاختيار الأكفاء لاعلاقة لها بالمحظوظين والأقارب ـ وبخاصة علي مستوي القيادات ـ والاهتمام بشباب العاملين وصغارهم, وهم وقود ماسبيرو وطاحونته ـ قبل الاهتمام بالبذخ الذي تتمرغ فيه القيادات, وتقييم ما قدمته شاشات رمضان التي أتخمها المعلنون, فأتخمت الناس, ولم تخاطب عقولهم بقدر ما خاطبت عجزهم واحتياجهم وغلبهم ومهانة أيامهم وواقعهم. وفقكم الله!.
الأهرام
0 التعليقات:
إرسال تعليق