مقدمة :
تتفق الآراء التربوية على أهمية مرحلة الطفولة في بناء شخصية الإنسان المستقبلية ، فإذا ما اعترى تربية الطفل أي خلل ، فإن ذلك سيؤدي حتمـًا إلى نتائج غير مرضية تنعكس سلبـًا على الفرد والمجتمع معـًا ، ومشكلة الخجل التي يعاني منها بعض الأطفال يجب على الوالدين والمربين مواجهتها وتداركها .
فكثير من الأطفال يشبون منطوين على أنفسهم خجولين يعتمدون اعتمادًا كاملاً على والديهم ويلتصقون بهم لا يعرفون كيف يواجهون الحياة منفردين ويظهر ذلك بوضوح عند التحاقهم بالمدرسة .
هل الحياء هو الخجل ؟
التمييز بين الخجل والحياء :
تعريف الخجل : هو انكماش الولد وانطوائه وتجافيه عن ملاقاة الآخرين .
أما الحياء : فهو التزام الولد منهاج الفضيلة وآداب الإسلام .
فليس من الخجل في شيء أن يتعود الطفل منذ نشأته على الاستحياء من اقتراف المنكر وارتكاب المعصية ، أو أن يتعود الولد على توقير الكبير وغض البصر عن المحرمات ، وليس من الخجل في شيء أن يتعود الولد منذ صغره على تنزيه اللسان بأن يخوض في أحد أو يكذب.
الطفل الخجول في الواقع طفل مسكين وبائس يعاني من عدم القدرة على الأخذ والعطاء مع أقرانه في المدرسة والمجتمع ، وبذلك يشعر بالمقارنة مع غيره من الأطفال بالضعف .
والطفل الخجول يحمل في طياته نوعـًا من ذم سلوكه ؛ لأن الخجل بحد ذاته هو حالة عاطفية أو انفعالية معقدة تنطوي على شعور بالنقص والعيب ، هذه الحالة لا تبعث الارتياح والاطمئنان في النفس .
والطفل الخجول غالبـًا ما يتعرض لمتاعب كثيرة عند دخوله المدرسة تبدأ بالتهتهة وتردده في طرح الأسئلة داخل الفصل ، وإقامة حوار من زملائه والمدرسين ، وغالبـًا ما يعيش منعزلاً ومنزويـًا بعيدًا عن رفاقه وألعابهم وتجاربهم .
والطفل الخجول يشعر دومـًا بالنقص ، ويتسم سلوكه بالجمود والخمول في وسطه المدرسي والبيئي عمومـًا ، وبذلك ينمو محدود الخبرات غير قادر على التكيف السوي مع نفسه أو مع الآخرين ، واعتلال صحته النفسية .
والطفل الخجول قد يبدو أنانيـًا في معظم تصرفاته ؛ لأنه يسعى إلى فرض رغباته على من يعيشون معه وحوله ، كما يبدو خجولاً حساسـًا وعصبيـًا ومتمردًا لجذب الانتباه إليه ، و 20% من الخجل يتكون عند الأطفال حديثي الولادة ، وتحدث لهم أعراض لا يعاني منها الطفل العادي .. فمثلاً الطفل المصاب بالخجل يدق قلبه في أثناء النوم بسرعة أكبر من مثيله ، وفي الشهر الرابع يصبح الخجل واضحـًا في الطفل ؛ إذ يخيفه كل جديد ، ويدير وجهه أو يغمض عينيه ، أو يغطي وجهه بكفيه إذا تحدق شخص غريب إليه ، وفي السنة الثالثة يشعر الطفل بالخجل عندما يذهب إلى دار غريبة ؛ إذ غالبـًا ما يكون بجوار أمه يجلس هادئـًا في حجرها أو بجانبها .
أسباب الخجل :
الخجل عند الأطفال له أسباب كثيرة أهمها :
1- الوارثة :
حيث تلعب الوارثة دورًا كبيرًا في شدة الخجل عند الأطفال ، فالجينات الوراثية لها تأثير كبير على خجل الطفل من عدمه ، فالخجل يولد مع الطفل منذ ولادته ، وهذا ما أكدته التجارب لأن الجينات تنقل الصفات الوراثية من الوالدين إلى الجنين ، والطفل الخجول غالبـًا ما يكون له أب يتمتع بصفة الخجل ، وإن لم يكن الأب كذلك فقد يكون أحد أقارب الأب كالجد أو العم .. إلخ .
فالطفل يرث بعض صفات والديه .
2- مخاوف الأم الزائدة :
أيّ أم تحب طفلها باعتباره أثمن ما لديها ؛ لذا تشعر الأم بأن عليها أن تحميه من أي أذى أو ضرر قد يصيبه ، ولكن الحماية الزائدة على الحد تجعلها تشعر بأن طفلها سيتعرض للأذى في كل لحظة ، ومن دون قصد تملأ نفس الطفل بأن هناك مئات من الأشياء غير المرئية في المجتمع تشكل خطرًا عليه ، ومن ثم يشعر الطفل بالخوف ، ويرى أن المكان الوحيد الذي يمكن أن يشعر فيه بالأمان والاطمئنان ، وهو إلى جوار أمه ، ومثل هذا الطفل يشعر بالخوف دائمـًا ولا يستطيع أن يعبر الطريق وحده ، أو يستمتع بالجري أو اللعب أو السباحة في البحر ؛ لأنه يتوقع في كل لحظة أن يصاب بأذى ، ويظل منطويـًا خجولاً بعيدًا عن محاولة فعل أي شيء خوفـًا من إصابته بأي أذى .
وفي بعض الأحيان يصل خوف الأم على طفلها إلى درجة تؤدي إلى منعه من الاختلاط واللعب مع الأطفال الآخرين خوفـًا عليه من تعلم بعض السلوكيات غير الطيبة أو تعلم بعض الألفاظ غير اللائقة فيصبح الطفل منطويـًا خجولاً يفضل العزلة والانطواء ، ويخشى من الاندماج في أية لعبة مع الأطفال الآخرين .
3- مركب النقص وخجل الأطفال :
يعاني بعض الأطفال من مشاعر النقص نتيجة نواقص جسمية أو عاهات بارزة ، وهذه النواقص والعاهات تساعد على أن ينشأ هؤلاء الأطفال خجولين وميالين للعزلة ، ومن هذه النواقص والعاهات البارزة ضعف البصر ، وشلل الأطفال ، وضعف السمع ، واللجلجة في الكلام ، أو السمنة المفرطة ، أو قصر القامة المفرط … إلخ .
وقد يعاني بعض الأطفال من الخجل نتيجة مشاعر النقص الناتجة عن أسباب مادية ، كأن تكون ملابسه رثة وقذرة لفقره ، أو هزالة جسمه الناتج عن سوء التغذية ، أو قلة مصروفه اليومي ، أو نقص أدواته المدرسية وكتبه .
4- التدليل المفرط من جانب الوالدين للطفل :
فالتدليل المفرط من جانب الوالدين لطفلهما يعد من أهم أسباب خجل الطفل الشديد ، ومن مظاهر هذا التدليل المفرط عدم سماح الأم لطفلها بأن يقوم بالأعمال التي أصبح قادرًا عليها اعتقادًا منها أن هذه المعاملة من قبيل الشفقة والرحمة للطفل ، ومن مظاهر التدليل المفرط عدم محاسبة الأم لولدها حينما يفسد أثاث المنزل ، أو عندما يتسلق المنضدة ، أو عندما يسوّد الجدار بقلمه .
وتزداد مظاهر التدليل المفرط في نفس الأبوين عندما يرزقان بالطفل بعد سنوات كثيرة ، أو أن تكون الأم قد أنجبت الطفل بعد عدة إجهاضات مستمرة ، أو أن يأتي الطفل بعد إنجاب الأم لعدة إناث ، فالمعاملة المتميزة والدلال المفرط للطفل من جانب والديه إذا لم يقابلها نفس المعاملة خارج المنزل سواء في الشارع أو الحي ، أو النادي ، أو المدرسة غالبـًا ما تؤدي لشعور الطفل بالخجل الشديد ، خاصة إذا قوبلت رغباته بالصد ، وإذا عوقب على تصرفاته بالتأنيب والعقاب والتوبيخ
علاج مشكلة الخجل عند الأطفال :
يمكننا أن نقي أطفالنا من مشاعر الخجل والانطواء على الذات من خلال اتباع التعليم الآتية :
1- توفير الجو الهادئ للأطفال في البيت ، وعدم تعرضهم للمواقف التي تؤثر في نفوسهم وتشعرهم بالقلق والخوف وعدم الاطمئنان ، ويتحقق ذلك بتجنب القسوة في معاملتهم والمشاحنات والمشاجرات التي تتم بين الوالدين ؛ لأن ذلك يجعلهم قلقين يخشون الاختلاط بالآخرين ويفضلون الانطواء وعدم مواجهة الحياة بثقة واطمئنان .
كما يتحتم على الآباء والأمهات أن يوفروا لأولادهم الصغار قدرًا معقولاً من الحب والعطف والحنان ، وعدم نقدهم وتعريضهم للإهانة ، أو التحقير ، وخصوصـًا أمام أصدقائهم أو أقرانهم ؛ لأن النقد الشديد والإهانة والتحقير الزائد على اللزوم يشعر الطفل بأنه غير مرغوب فيه ، ويقعده عن القيام بكثير من الأعمال ، ويزيد من خجله وانطوائه .
2- ينبغي على الأم إخفاء قلقها الزائد ولهفتها على طفلها ، وأن تتيح له الفرصة للاعتماد على نفسه ومواجهة بعض المواقف التي قد تؤذيه بهدوء وثقة ، فكل إنسان كما يؤكد علماء النفس لديه غريزة طبيعية يولد بها تدفعه للمحافظة على نفسه وتجنب المخاطر ، والطفل يستطيع أن يحافظ على نفسه أمام الخطر الذي قد يواجهه بغريزته الطبيعية .
3- أن يهتم الوالدان بتعويد أطفالهما الصغار على الاجتماع بالناس سواء بجلب الأصدقاء إلى المنزل لهم بشكل دائم ، أو مصاحبتهم لآبائهم وأمهاتهم في زيارة الأصدقاء والأقارب أو الطلب منهم برفق ليتحدثوا أمام غيرهم سواء كان المتحدث إليهم كبارًا أو صغارًا .
وهذا التعويد يضعف في نفوسهم ظاهرة الخجل ويكسبهم الثقة بأنفسهم ، وقد كان أبناء الصحابة والسلف الصالح ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ يتربون على التخلص التام من ظاهرة الخجل ومن بوادر الانكماشية والانطواء ، وذلك بسبب تعويدهم على الجرأة ومصاحبة الآباء لهم لحضور المجالس العامة ، وزيارة الأصدقاء وتشجيعهم على التحدث أمام الكبار ، ودفع ذوي النباهة والفصاحة منهم لمخاطبة الخلفاء والأمراء واستشارتهم في القضايا العامة والمسائل العلمية في مجمع من المفكرين والعلماء .
فقد كان الفاروق عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يصطحب بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ في حضور مجالس الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وكان عبد الله دون الحلم ـ أي طفل لم يبلغ سن البلوغ ـ كما كان عمر ابن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يدخل عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ ، وكان دون الحلم في أيام خلافة عمر في مجالس الشورى مع أشياخ بدر ، ومما تناقلته كتب الأدب أن صبيـًا تكلم بين يدي الخليفة المأمون فأحسن الجواب فقال له المأمون : ابن من أنت ؟ فقال الصبي : ابن الأدب يا أمير المؤمنين ، فقال المأمون : نعمَ النسب وأنشد يقول :
كن ابن من شئت واكتسب أدبـًا يغنيك محمـــوده عن النسـب
إن الفتى من يقـول هـا أنــــا ذا ليس الفتى من يقول كان أبي
ودخل على عمر بن عبد العزيز في أول خلافته وفود المهنئين من كل أقطار الخلافة ، فتقدم وفد من الحجازيين لتهنئة عمر بن عبد العزيز ، تقدمهم غلام صغير لم يبلغ سن إحدى عشرة سنة فقال له عمر : ارجع أنت وليتقدم من هو أكبر " أسن " منك ، فقال له الغلام : أيد الله أمير المؤمنين بأصغريه قلبه ولسانه فإذا منح الله العبد لسانـًا لافظـًا وقلبـًا حافظـًا فقد استحق الكلام ، ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسن لكان في الأمة من هو أحق منك بمجلسك هذا ، فتعجب عمر من كلامه وأنشد قائلاً :
تعلم فليس المرء يولد عالمـًا وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنـده صغير إذا التفت عليه المحـافل
4- يجب على الآباء والأمهات أن يقوموا بتدريب الطفل الخجول على الأخذ والعطاء ، وتكوين الصداقات مع أقرانه من الأطفال ، وذلك بتشجيعه بكل الطرق على الاختلاط والاحتفاظ بالصداقات .
5- ابتعاد الوالدين عن التدليل المفرط للطفل ، وتعويده على الاعتماد على ذاته في ارتدائه ملابسه وحذائه وغيرهما من الأمور الأخرى ، فكلما كان الطفل مدللاً معتمدًا على أبويه ، وكان نضجه الانفعالي غير كامل ، وكلما كان بعيدًا عن الاعتماد على ذاته في الأمور الصغيرة ، كلما نشأ خجولاً ، كما ينبغي على المعلم في المدرسة أن يقوم ببث الثقة في نفوس التلاميذ ومعاملاتهم بالمساواة دون تحيز ، والبعد عن مقارنة الأطفال بمن هم أكثر حظـًا منهم ، سواء في الاستعداد الذهني أو الجسمي ، أو من حيث الوسامة ، أو القدرات والاستعدادات الاجتماعية ؛ لأن مثل هذه المقارنات تضعف ثقة الطفل بنفسه
ظاهرة الخجل عند الأطفال
صاح وبكى ، واحمر وجهه وأذناه وهرب منه الكلام ، ولما حاول التكلم جف حلقه ، وارتعشت يداه ، وزادت سرعة نبضات قلبه .. بل أحيانًا يكاد يغمى عليه ... ما الحل ؟
طفلي مدهش ، كثير الحركة ، ذو نشاط جم وحب للسيطرة داخل البيت فقط ، وأما خارج البيت فيبدو خجولاً منطويًا لدرجة أنه يخفي رأسه إذا رأى شخصًا يعرفه في مكان ما بل يشتد خجله إذا حادثه ، إنني لا أدري كيف أتعامل معه ، إذ أخشى أن تزيد حالته سوءًا .
طفلي يبكي ويصرح ولا يتكلم ، إذا زرنا أحدًا أو زارنا أحد ، مما يزيد إحراجي . طفلي ينقصه التركيز ، ولا يحب كثرة الناس في المكان ، إنه لا يحب المباراة والمنافسة خوفًا من ان يتغلب عليه الآخرون .
طفلي لا يحب اللعب مع الأطفال ، حاولت مرارًا تأنيبه ، ولكن حالته في ازدياد ، إنه يلعب مع أطفال البيت فقط ، أما الغرباء فلا يحب الاجتماع بهم .
طفلي يعرف إجابة السؤال الذي يطرحه معلمه في الصف ، لكنه لا يجرو على الإجابة .. أخاف أن يقلل هذا من سعادته ، أو يُفقده حب الناس له .
كلي أمل في الحياة أن أراه سعيدًا في الدنيا والآخرة .. ما الحل ؟!
هذه الأشياء هي الأعراض المذمومة للخجل والتي قد يتعرض لها طفلنا العزيز وتصاحبه طوال حياته إذا لم تعالج بحكمة .
إنها أعراض قد تبدأ مع الطفل في أي لحظة من السنوات العشر الأولى ، وقد تستمر معه إذا لم تعالج بحكمة وصبر .
حقًا ، إنها مشاكل كبيرة يسببها الخجل للطفل ؛ فالطفل الخجول يجد صعوبة في تكوين علاقة طيبة مع من حوله ، أو عقد صداقات سريعة من أقرانه .
وقد يُفضي الخجل بالطفل إلى الخوف والرهبة واضطراب الأعصاب ، وكذلك إلى الخوف من القيام بأي عمل خشية الإخفاق ، وقد يجد صعوبة في التركيز فيما يجري حوله ، ولا يعرف كيف يواجه الحياة منفردًا ، وخاصة عند دخوله المدرسة ، فقد يشعر بعدم الرضا عن نفسه ؛ فلا يتجرأ على طرح الأسئلة خوفًا من الرفض أو الصد . لذلك فإن الباحثين يهتمون بهذه الظاهرة لما لها من آثار سيئة على نفسية الطفل .
وقد تتضمن بعض شكاوى الآباء أن الطفل يعاني من الحياء ؛ فإن كان المقصود من الحياء هو ما ذكرنا من الأعراض السابقة ، فهناك خطأ في التعبير ؛ فذاك هو الخجل المذموم ، وإن كان المقصود بالحياء الأدب أمام الكبار ، وعدم التحدث أمامهم لغير حاجة ، ونحو ذلك ، فإن ذلك هو الحياء الذي هو خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أشدُ حياء من العذراء في خِدرها ] (رواه مسلم ).
وقد مرَّ صلى الله عليه وسلم على رجل يعاتب أخاه في الحياء فقال له صلى الله عليه وسلم : [ دعه فإن الحياء من الإيمان ] .
وينبغي أن ينمي الأب خلق الحياء في نفس طفله حيث إنه من اخلاق الفطرة .
ولكن ما الأسباب والدوافع التي تؤدي بالطفل إلى ذلك الخجل المذموم ؟؟
1. العامل الوراثي :
يرى فريق من الباحثين ، أن فسيولوجية الدماغ عند الأطفال المصابين بالخجل هي التي تهيؤهم لتلك الاستجابة . من هنا فإن العامل الوراثي بالإضافة إلى البيئة المحيطة له أثره ، كذلك فإن الاضطرابات الانفعالية والعاطفية والحالات النفسية التي تعاني منها الأم خلال مرحلة الحمل ، قد تؤثر على نمو الطفل ، وتهيؤه لظهور حالة الخجل لديه في مستقبل حياته .
2. طريقة تعامل الوالدين مع الطفل :
بالإضافة إلى العامل الوراثي فإن الوالدين مسؤولان عن إصابة الطفل بالخجل دون أن يشعرا ، ويحدث هذا من خلال مواقف بسيطة ، أو ملاحظات عابرة ، لا يشعران بتأثيرها على الطفل .
فقلق الأم الدائم والزائد على طفلها ولهفتها عليه من أكبر أسباب تكون الخجل لدى الطفل ، فهي لشدة حبها له تجعل عينيها دائمًا على كل تصرفاته ، بهدف حمايته وهي لا تدري أنها بذلك تحول دون انطلاقه بغير قصد منها ، مما يجعله لا يستمتع باللعب أو الجري ، لأنه يتوقع في كل لحظة أن يُصاب بأذى فيفضل البقاء بجانب أمه منطويًا .
3. الخلافات بين الزوجين :
تسبب مخاوف غامضة للطفل ، وتجعله لا يشعر بالأمان ، مما يؤثر على نفسيته ، وقد يصل في هذه الحالة إلى الإنطواء ويلوذ بالخجل .
4. إثارة الغيرة لدى الطفل :
وذلك بالمقارنة بينه وبين أحد أقرانه ، أو أشقائه ، إذا كان متفوقًا في أي جانب من الجوانب وذلك بمدحه على ذكائه ،أو حسن تصرفه وخاصة أمام الآخرين مما قد يُشعر الطفل بالإحباط والحرج ويؤدي إلى شعوره الشديد بالخجل .
5. القسوة في العقوبة :
وذلك بمعاقبة الطفل لمجرد ارتكابه أي خطأ ، أو تقصير في أداء الوظائف المنزلية ، أو انخفاض درجات الاختبار .
6. مشكلات خاصة :
كأن يكون مصابًا بعيب خَلقي ، أو مرض مزمن ، أو عيب في النطق ، مثل التأتأة ، فيشعر الطفل أنه أقل من نظرائه ويبتعد عنهم ولا يشاركهم نشاطهم .
كل ذلك يؤدي إلى شعور بالنقص أو التقليل من قيمة نفسه ...
وهذا أصل الخجل .
نصائح علاجية في حالات الخجل عند الأطفال
فيما يلي بعض الملاحظات التي تفيد الأهل والمهتمين بأمور التربية في مساعدتهم للطفل الخجول المنكمش في المناسبات الاجتماعية :
1 ) إن بعض التوتر والارتباك في المواقف الاجتماعية هو أمر طبيعي عند كثير من الأطفال .. لا تضخم المشكلة .. فالطفل يحتاج لبعض الوقت ليفهم ما يجري حوله وبعض الأمور التي يعتبرها الكبار عادية تكون غير ذلك في عقل الطفل .
2 ) حاول تفهم مشاعر الطفل وأفكاره وقلقه إذا طالت فترة الخجل أو الانكماش التي يمر بها .. راجع درجة التوتر في المنزل أو المدرسة ودرجة الاهتمام والرعاية والتشجيع التي تقدم له . وحاول تعديل الأمور السلبية قدر الإمكان .
3 ) تجنب دائماً إطلاق التسميات والأوصاف غير المفيدة مثل : خجول ، خواف ، ضعيف .... وغير ذلك .
4 ) شجع مختلف الهوايات عند الطفل .. بما فيها الرياضة والفنون والقدرات اللفظية وغير ذلك.
5 ) تأكد من إعداد الفرص الملائمة للتمرين والتدريب على مواجهة المواقف الاجتماعية والتعامل مع الأطفال الآخرين والكبار .. ومشاركة الطفل في ذلك .واستعمل ما تعرفه من أساليب لتخفيف توتر الطفل خلال هذه المواجهة كالحلوى أو اللعب أو التشجيع اللفظي ويمكنك المشاركة في الموقف والبقاء مع الطفل فترة إلى أن يخف التوتر 0
6 ) وفر للطفل مزيداً من فرض التدريب في المنزل وغيره . . عشرة دقائق يومياً أو خمسة تتطلب منه أن يتحدث عن موضوع ما أو أن يتلو قصة أو غيرها أمام الأهل أو غيرهم .. تقبل أداءه ولا تكثر من الملاحظات في المراحل الأولى من هذه التمارين .
7 ) تجنب عقاب الطفل وإهانته أمام الآخرين قدر الإمكان .
8 ) أترك للطفل بعض الحرية في اكتشاف ما حوله بنفسه وهو يتعلم من الخطأ والتجربة ومن الإرشادات .. تقبل بعض الأخطاء ولا تكن خيالياً تريد الكمال التام.
9 ) تذكر أن تكون عوناً للطفل وموجوداً حين الحاجة وأن يفهم الطفل ذلك عند مواجهته لموقف اجتماعي صعب .
10 ) لا تبخل في تشجيع الطفل ومكافأته على سلوكه الاجتماعي الجيد ، وإجعل المكافآت مباشرة وغير بعيدة زمنياً .. لأن الطفل لا يفهم الزمن كما يفهمه الكبار .
11 ) لا تيأس في محاولاتك وإبدأ بشكل جدي في التغيير وإعزم على الاستمرار ، وإسأل من حولك من ذوي الخبرة أو الاختصاص عند اللزوم . وتأكد أن كثيراَ من الحالات تتحسن مع تقدم العمر وزيادة التجارب الناجحة والثقة في النفس .
تتفق الآراء التربوية على أهمية مرحلة الطفولة في بناء شخصية الإنسان المستقبلية ، فإذا ما اعترى تربية الطفل أي خلل ، فإن ذلك سيؤدي حتمـًا إلى نتائج غير مرضية تنعكس سلبـًا على الفرد والمجتمع معـًا ، ومشكلة الخجل التي يعاني منها بعض الأطفال يجب على الوالدين والمربين مواجهتها وتداركها .
فكثير من الأطفال يشبون منطوين على أنفسهم خجولين يعتمدون اعتمادًا كاملاً على والديهم ويلتصقون بهم لا يعرفون كيف يواجهون الحياة منفردين ويظهر ذلك بوضوح عند التحاقهم بالمدرسة .
هل الحياء هو الخجل ؟
التمييز بين الخجل والحياء :
تعريف الخجل : هو انكماش الولد وانطوائه وتجافيه عن ملاقاة الآخرين .
أما الحياء : فهو التزام الولد منهاج الفضيلة وآداب الإسلام .
فليس من الخجل في شيء أن يتعود الطفل منذ نشأته على الاستحياء من اقتراف المنكر وارتكاب المعصية ، أو أن يتعود الولد على توقير الكبير وغض البصر عن المحرمات ، وليس من الخجل في شيء أن يتعود الولد منذ صغره على تنزيه اللسان بأن يخوض في أحد أو يكذب.
الطفل الخجول في الواقع طفل مسكين وبائس يعاني من عدم القدرة على الأخذ والعطاء مع أقرانه في المدرسة والمجتمع ، وبذلك يشعر بالمقارنة مع غيره من الأطفال بالضعف .
والطفل الخجول يحمل في طياته نوعـًا من ذم سلوكه ؛ لأن الخجل بحد ذاته هو حالة عاطفية أو انفعالية معقدة تنطوي على شعور بالنقص والعيب ، هذه الحالة لا تبعث الارتياح والاطمئنان في النفس .
والطفل الخجول غالبـًا ما يتعرض لمتاعب كثيرة عند دخوله المدرسة تبدأ بالتهتهة وتردده في طرح الأسئلة داخل الفصل ، وإقامة حوار من زملائه والمدرسين ، وغالبـًا ما يعيش منعزلاً ومنزويـًا بعيدًا عن رفاقه وألعابهم وتجاربهم .
والطفل الخجول يشعر دومـًا بالنقص ، ويتسم سلوكه بالجمود والخمول في وسطه المدرسي والبيئي عمومـًا ، وبذلك ينمو محدود الخبرات غير قادر على التكيف السوي مع نفسه أو مع الآخرين ، واعتلال صحته النفسية .
والطفل الخجول قد يبدو أنانيـًا في معظم تصرفاته ؛ لأنه يسعى إلى فرض رغباته على من يعيشون معه وحوله ، كما يبدو خجولاً حساسـًا وعصبيـًا ومتمردًا لجذب الانتباه إليه ، و 20% من الخجل يتكون عند الأطفال حديثي الولادة ، وتحدث لهم أعراض لا يعاني منها الطفل العادي .. فمثلاً الطفل المصاب بالخجل يدق قلبه في أثناء النوم بسرعة أكبر من مثيله ، وفي الشهر الرابع يصبح الخجل واضحـًا في الطفل ؛ إذ يخيفه كل جديد ، ويدير وجهه أو يغمض عينيه ، أو يغطي وجهه بكفيه إذا تحدق شخص غريب إليه ، وفي السنة الثالثة يشعر الطفل بالخجل عندما يذهب إلى دار غريبة ؛ إذ غالبـًا ما يكون بجوار أمه يجلس هادئـًا في حجرها أو بجانبها .
أسباب الخجل :
الخجل عند الأطفال له أسباب كثيرة أهمها :
1- الوارثة :
حيث تلعب الوارثة دورًا كبيرًا في شدة الخجل عند الأطفال ، فالجينات الوراثية لها تأثير كبير على خجل الطفل من عدمه ، فالخجل يولد مع الطفل منذ ولادته ، وهذا ما أكدته التجارب لأن الجينات تنقل الصفات الوراثية من الوالدين إلى الجنين ، والطفل الخجول غالبـًا ما يكون له أب يتمتع بصفة الخجل ، وإن لم يكن الأب كذلك فقد يكون أحد أقارب الأب كالجد أو العم .. إلخ .
فالطفل يرث بعض صفات والديه .
2- مخاوف الأم الزائدة :
أيّ أم تحب طفلها باعتباره أثمن ما لديها ؛ لذا تشعر الأم بأن عليها أن تحميه من أي أذى أو ضرر قد يصيبه ، ولكن الحماية الزائدة على الحد تجعلها تشعر بأن طفلها سيتعرض للأذى في كل لحظة ، ومن دون قصد تملأ نفس الطفل بأن هناك مئات من الأشياء غير المرئية في المجتمع تشكل خطرًا عليه ، ومن ثم يشعر الطفل بالخوف ، ويرى أن المكان الوحيد الذي يمكن أن يشعر فيه بالأمان والاطمئنان ، وهو إلى جوار أمه ، ومثل هذا الطفل يشعر بالخوف دائمـًا ولا يستطيع أن يعبر الطريق وحده ، أو يستمتع بالجري أو اللعب أو السباحة في البحر ؛ لأنه يتوقع في كل لحظة أن يصاب بأذى ، ويظل منطويـًا خجولاً بعيدًا عن محاولة فعل أي شيء خوفـًا من إصابته بأي أذى .
وفي بعض الأحيان يصل خوف الأم على طفلها إلى درجة تؤدي إلى منعه من الاختلاط واللعب مع الأطفال الآخرين خوفـًا عليه من تعلم بعض السلوكيات غير الطيبة أو تعلم بعض الألفاظ غير اللائقة فيصبح الطفل منطويـًا خجولاً يفضل العزلة والانطواء ، ويخشى من الاندماج في أية لعبة مع الأطفال الآخرين .
3- مركب النقص وخجل الأطفال :
يعاني بعض الأطفال من مشاعر النقص نتيجة نواقص جسمية أو عاهات بارزة ، وهذه النواقص والعاهات تساعد على أن ينشأ هؤلاء الأطفال خجولين وميالين للعزلة ، ومن هذه النواقص والعاهات البارزة ضعف البصر ، وشلل الأطفال ، وضعف السمع ، واللجلجة في الكلام ، أو السمنة المفرطة ، أو قصر القامة المفرط … إلخ .
وقد يعاني بعض الأطفال من الخجل نتيجة مشاعر النقص الناتجة عن أسباب مادية ، كأن تكون ملابسه رثة وقذرة لفقره ، أو هزالة جسمه الناتج عن سوء التغذية ، أو قلة مصروفه اليومي ، أو نقص أدواته المدرسية وكتبه .
4- التدليل المفرط من جانب الوالدين للطفل :
فالتدليل المفرط من جانب الوالدين لطفلهما يعد من أهم أسباب خجل الطفل الشديد ، ومن مظاهر هذا التدليل المفرط عدم سماح الأم لطفلها بأن يقوم بالأعمال التي أصبح قادرًا عليها اعتقادًا منها أن هذه المعاملة من قبيل الشفقة والرحمة للطفل ، ومن مظاهر التدليل المفرط عدم محاسبة الأم لولدها حينما يفسد أثاث المنزل ، أو عندما يتسلق المنضدة ، أو عندما يسوّد الجدار بقلمه .
وتزداد مظاهر التدليل المفرط في نفس الأبوين عندما يرزقان بالطفل بعد سنوات كثيرة ، أو أن تكون الأم قد أنجبت الطفل بعد عدة إجهاضات مستمرة ، أو أن يأتي الطفل بعد إنجاب الأم لعدة إناث ، فالمعاملة المتميزة والدلال المفرط للطفل من جانب والديه إذا لم يقابلها نفس المعاملة خارج المنزل سواء في الشارع أو الحي ، أو النادي ، أو المدرسة غالبـًا ما تؤدي لشعور الطفل بالخجل الشديد ، خاصة إذا قوبلت رغباته بالصد ، وإذا عوقب على تصرفاته بالتأنيب والعقاب والتوبيخ
علاج مشكلة الخجل عند الأطفال :
يمكننا أن نقي أطفالنا من مشاعر الخجل والانطواء على الذات من خلال اتباع التعليم الآتية :
1- توفير الجو الهادئ للأطفال في البيت ، وعدم تعرضهم للمواقف التي تؤثر في نفوسهم وتشعرهم بالقلق والخوف وعدم الاطمئنان ، ويتحقق ذلك بتجنب القسوة في معاملتهم والمشاحنات والمشاجرات التي تتم بين الوالدين ؛ لأن ذلك يجعلهم قلقين يخشون الاختلاط بالآخرين ويفضلون الانطواء وعدم مواجهة الحياة بثقة واطمئنان .
كما يتحتم على الآباء والأمهات أن يوفروا لأولادهم الصغار قدرًا معقولاً من الحب والعطف والحنان ، وعدم نقدهم وتعريضهم للإهانة ، أو التحقير ، وخصوصـًا أمام أصدقائهم أو أقرانهم ؛ لأن النقد الشديد والإهانة والتحقير الزائد على اللزوم يشعر الطفل بأنه غير مرغوب فيه ، ويقعده عن القيام بكثير من الأعمال ، ويزيد من خجله وانطوائه .
2- ينبغي على الأم إخفاء قلقها الزائد ولهفتها على طفلها ، وأن تتيح له الفرصة للاعتماد على نفسه ومواجهة بعض المواقف التي قد تؤذيه بهدوء وثقة ، فكل إنسان كما يؤكد علماء النفس لديه غريزة طبيعية يولد بها تدفعه للمحافظة على نفسه وتجنب المخاطر ، والطفل يستطيع أن يحافظ على نفسه أمام الخطر الذي قد يواجهه بغريزته الطبيعية .
3- أن يهتم الوالدان بتعويد أطفالهما الصغار على الاجتماع بالناس سواء بجلب الأصدقاء إلى المنزل لهم بشكل دائم ، أو مصاحبتهم لآبائهم وأمهاتهم في زيارة الأصدقاء والأقارب أو الطلب منهم برفق ليتحدثوا أمام غيرهم سواء كان المتحدث إليهم كبارًا أو صغارًا .
وهذا التعويد يضعف في نفوسهم ظاهرة الخجل ويكسبهم الثقة بأنفسهم ، وقد كان أبناء الصحابة والسلف الصالح ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ يتربون على التخلص التام من ظاهرة الخجل ومن بوادر الانكماشية والانطواء ، وذلك بسبب تعويدهم على الجرأة ومصاحبة الآباء لهم لحضور المجالس العامة ، وزيارة الأصدقاء وتشجيعهم على التحدث أمام الكبار ، ودفع ذوي النباهة والفصاحة منهم لمخاطبة الخلفاء والأمراء واستشارتهم في القضايا العامة والمسائل العلمية في مجمع من المفكرين والعلماء .
فقد كان الفاروق عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يصطحب بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ في حضور مجالس الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وكان عبد الله دون الحلم ـ أي طفل لم يبلغ سن البلوغ ـ كما كان عمر ابن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يدخل عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ ، وكان دون الحلم في أيام خلافة عمر في مجالس الشورى مع أشياخ بدر ، ومما تناقلته كتب الأدب أن صبيـًا تكلم بين يدي الخليفة المأمون فأحسن الجواب فقال له المأمون : ابن من أنت ؟ فقال الصبي : ابن الأدب يا أمير المؤمنين ، فقال المأمون : نعمَ النسب وأنشد يقول :
كن ابن من شئت واكتسب أدبـًا يغنيك محمـــوده عن النسـب
إن الفتى من يقـول هـا أنــــا ذا ليس الفتى من يقول كان أبي
ودخل على عمر بن عبد العزيز في أول خلافته وفود المهنئين من كل أقطار الخلافة ، فتقدم وفد من الحجازيين لتهنئة عمر بن عبد العزيز ، تقدمهم غلام صغير لم يبلغ سن إحدى عشرة سنة فقال له عمر : ارجع أنت وليتقدم من هو أكبر " أسن " منك ، فقال له الغلام : أيد الله أمير المؤمنين بأصغريه قلبه ولسانه فإذا منح الله العبد لسانـًا لافظـًا وقلبـًا حافظـًا فقد استحق الكلام ، ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسن لكان في الأمة من هو أحق منك بمجلسك هذا ، فتعجب عمر من كلامه وأنشد قائلاً :
تعلم فليس المرء يولد عالمـًا وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنـده صغير إذا التفت عليه المحـافل
4- يجب على الآباء والأمهات أن يقوموا بتدريب الطفل الخجول على الأخذ والعطاء ، وتكوين الصداقات مع أقرانه من الأطفال ، وذلك بتشجيعه بكل الطرق على الاختلاط والاحتفاظ بالصداقات .
5- ابتعاد الوالدين عن التدليل المفرط للطفل ، وتعويده على الاعتماد على ذاته في ارتدائه ملابسه وحذائه وغيرهما من الأمور الأخرى ، فكلما كان الطفل مدللاً معتمدًا على أبويه ، وكان نضجه الانفعالي غير كامل ، وكلما كان بعيدًا عن الاعتماد على ذاته في الأمور الصغيرة ، كلما نشأ خجولاً ، كما ينبغي على المعلم في المدرسة أن يقوم ببث الثقة في نفوس التلاميذ ومعاملاتهم بالمساواة دون تحيز ، والبعد عن مقارنة الأطفال بمن هم أكثر حظـًا منهم ، سواء في الاستعداد الذهني أو الجسمي ، أو من حيث الوسامة ، أو القدرات والاستعدادات الاجتماعية ؛ لأن مثل هذه المقارنات تضعف ثقة الطفل بنفسه
ظاهرة الخجل عند الأطفال
صاح وبكى ، واحمر وجهه وأذناه وهرب منه الكلام ، ولما حاول التكلم جف حلقه ، وارتعشت يداه ، وزادت سرعة نبضات قلبه .. بل أحيانًا يكاد يغمى عليه ... ما الحل ؟
طفلي مدهش ، كثير الحركة ، ذو نشاط جم وحب للسيطرة داخل البيت فقط ، وأما خارج البيت فيبدو خجولاً منطويًا لدرجة أنه يخفي رأسه إذا رأى شخصًا يعرفه في مكان ما بل يشتد خجله إذا حادثه ، إنني لا أدري كيف أتعامل معه ، إذ أخشى أن تزيد حالته سوءًا .
طفلي يبكي ويصرح ولا يتكلم ، إذا زرنا أحدًا أو زارنا أحد ، مما يزيد إحراجي . طفلي ينقصه التركيز ، ولا يحب كثرة الناس في المكان ، إنه لا يحب المباراة والمنافسة خوفًا من ان يتغلب عليه الآخرون .
طفلي لا يحب اللعب مع الأطفال ، حاولت مرارًا تأنيبه ، ولكن حالته في ازدياد ، إنه يلعب مع أطفال البيت فقط ، أما الغرباء فلا يحب الاجتماع بهم .
طفلي يعرف إجابة السؤال الذي يطرحه معلمه في الصف ، لكنه لا يجرو على الإجابة .. أخاف أن يقلل هذا من سعادته ، أو يُفقده حب الناس له .
كلي أمل في الحياة أن أراه سعيدًا في الدنيا والآخرة .. ما الحل ؟!
هذه الأشياء هي الأعراض المذمومة للخجل والتي قد يتعرض لها طفلنا العزيز وتصاحبه طوال حياته إذا لم تعالج بحكمة .
إنها أعراض قد تبدأ مع الطفل في أي لحظة من السنوات العشر الأولى ، وقد تستمر معه إذا لم تعالج بحكمة وصبر .
حقًا ، إنها مشاكل كبيرة يسببها الخجل للطفل ؛ فالطفل الخجول يجد صعوبة في تكوين علاقة طيبة مع من حوله ، أو عقد صداقات سريعة من أقرانه .
وقد يُفضي الخجل بالطفل إلى الخوف والرهبة واضطراب الأعصاب ، وكذلك إلى الخوف من القيام بأي عمل خشية الإخفاق ، وقد يجد صعوبة في التركيز فيما يجري حوله ، ولا يعرف كيف يواجه الحياة منفردًا ، وخاصة عند دخوله المدرسة ، فقد يشعر بعدم الرضا عن نفسه ؛ فلا يتجرأ على طرح الأسئلة خوفًا من الرفض أو الصد . لذلك فإن الباحثين يهتمون بهذه الظاهرة لما لها من آثار سيئة على نفسية الطفل .
وقد تتضمن بعض شكاوى الآباء أن الطفل يعاني من الحياء ؛ فإن كان المقصود من الحياء هو ما ذكرنا من الأعراض السابقة ، فهناك خطأ في التعبير ؛ فذاك هو الخجل المذموم ، وإن كان المقصود بالحياء الأدب أمام الكبار ، وعدم التحدث أمامهم لغير حاجة ، ونحو ذلك ، فإن ذلك هو الحياء الذي هو خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أشدُ حياء من العذراء في خِدرها ] (رواه مسلم ).
وقد مرَّ صلى الله عليه وسلم على رجل يعاتب أخاه في الحياء فقال له صلى الله عليه وسلم : [ دعه فإن الحياء من الإيمان ] .
وينبغي أن ينمي الأب خلق الحياء في نفس طفله حيث إنه من اخلاق الفطرة .
ولكن ما الأسباب والدوافع التي تؤدي بالطفل إلى ذلك الخجل المذموم ؟؟
1. العامل الوراثي :
يرى فريق من الباحثين ، أن فسيولوجية الدماغ عند الأطفال المصابين بالخجل هي التي تهيؤهم لتلك الاستجابة . من هنا فإن العامل الوراثي بالإضافة إلى البيئة المحيطة له أثره ، كذلك فإن الاضطرابات الانفعالية والعاطفية والحالات النفسية التي تعاني منها الأم خلال مرحلة الحمل ، قد تؤثر على نمو الطفل ، وتهيؤه لظهور حالة الخجل لديه في مستقبل حياته .
2. طريقة تعامل الوالدين مع الطفل :
بالإضافة إلى العامل الوراثي فإن الوالدين مسؤولان عن إصابة الطفل بالخجل دون أن يشعرا ، ويحدث هذا من خلال مواقف بسيطة ، أو ملاحظات عابرة ، لا يشعران بتأثيرها على الطفل .
فقلق الأم الدائم والزائد على طفلها ولهفتها عليه من أكبر أسباب تكون الخجل لدى الطفل ، فهي لشدة حبها له تجعل عينيها دائمًا على كل تصرفاته ، بهدف حمايته وهي لا تدري أنها بذلك تحول دون انطلاقه بغير قصد منها ، مما يجعله لا يستمتع باللعب أو الجري ، لأنه يتوقع في كل لحظة أن يُصاب بأذى فيفضل البقاء بجانب أمه منطويًا .
3. الخلافات بين الزوجين :
تسبب مخاوف غامضة للطفل ، وتجعله لا يشعر بالأمان ، مما يؤثر على نفسيته ، وقد يصل في هذه الحالة إلى الإنطواء ويلوذ بالخجل .
4. إثارة الغيرة لدى الطفل :
وذلك بالمقارنة بينه وبين أحد أقرانه ، أو أشقائه ، إذا كان متفوقًا في أي جانب من الجوانب وذلك بمدحه على ذكائه ،أو حسن تصرفه وخاصة أمام الآخرين مما قد يُشعر الطفل بالإحباط والحرج ويؤدي إلى شعوره الشديد بالخجل .
5. القسوة في العقوبة :
وذلك بمعاقبة الطفل لمجرد ارتكابه أي خطأ ، أو تقصير في أداء الوظائف المنزلية ، أو انخفاض درجات الاختبار .
6. مشكلات خاصة :
كأن يكون مصابًا بعيب خَلقي ، أو مرض مزمن ، أو عيب في النطق ، مثل التأتأة ، فيشعر الطفل أنه أقل من نظرائه ويبتعد عنهم ولا يشاركهم نشاطهم .
كل ذلك يؤدي إلى شعور بالنقص أو التقليل من قيمة نفسه ...
وهذا أصل الخجل .
نصائح علاجية في حالات الخجل عند الأطفال
فيما يلي بعض الملاحظات التي تفيد الأهل والمهتمين بأمور التربية في مساعدتهم للطفل الخجول المنكمش في المناسبات الاجتماعية :
1 ) إن بعض التوتر والارتباك في المواقف الاجتماعية هو أمر طبيعي عند كثير من الأطفال .. لا تضخم المشكلة .. فالطفل يحتاج لبعض الوقت ليفهم ما يجري حوله وبعض الأمور التي يعتبرها الكبار عادية تكون غير ذلك في عقل الطفل .
2 ) حاول تفهم مشاعر الطفل وأفكاره وقلقه إذا طالت فترة الخجل أو الانكماش التي يمر بها .. راجع درجة التوتر في المنزل أو المدرسة ودرجة الاهتمام والرعاية والتشجيع التي تقدم له . وحاول تعديل الأمور السلبية قدر الإمكان .
3 ) تجنب دائماً إطلاق التسميات والأوصاف غير المفيدة مثل : خجول ، خواف ، ضعيف .... وغير ذلك .
4 ) شجع مختلف الهوايات عند الطفل .. بما فيها الرياضة والفنون والقدرات اللفظية وغير ذلك.
5 ) تأكد من إعداد الفرص الملائمة للتمرين والتدريب على مواجهة المواقف الاجتماعية والتعامل مع الأطفال الآخرين والكبار .. ومشاركة الطفل في ذلك .واستعمل ما تعرفه من أساليب لتخفيف توتر الطفل خلال هذه المواجهة كالحلوى أو اللعب أو التشجيع اللفظي ويمكنك المشاركة في الموقف والبقاء مع الطفل فترة إلى أن يخف التوتر 0
6 ) وفر للطفل مزيداً من فرض التدريب في المنزل وغيره . . عشرة دقائق يومياً أو خمسة تتطلب منه أن يتحدث عن موضوع ما أو أن يتلو قصة أو غيرها أمام الأهل أو غيرهم .. تقبل أداءه ولا تكثر من الملاحظات في المراحل الأولى من هذه التمارين .
7 ) تجنب عقاب الطفل وإهانته أمام الآخرين قدر الإمكان .
8 ) أترك للطفل بعض الحرية في اكتشاف ما حوله بنفسه وهو يتعلم من الخطأ والتجربة ومن الإرشادات .. تقبل بعض الأخطاء ولا تكن خيالياً تريد الكمال التام.
9 ) تذكر أن تكون عوناً للطفل وموجوداً حين الحاجة وأن يفهم الطفل ذلك عند مواجهته لموقف اجتماعي صعب .
10 ) لا تبخل في تشجيع الطفل ومكافأته على سلوكه الاجتماعي الجيد ، وإجعل المكافآت مباشرة وغير بعيدة زمنياً .. لأن الطفل لا يفهم الزمن كما يفهمه الكبار .
11 ) لا تيأس في محاولاتك وإبدأ بشكل جدي في التغيير وإعزم على الاستمرار ، وإسأل من حولك من ذوي الخبرة أو الاختصاص عند اللزوم . وتأكد أن كثيراَ من الحالات تتحسن مع تقدم العمر وزيادة التجارب الناجحة والثقة في النفس .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق