الجمعة، 25 ديسمبر 2009

الديانه البوذية

هذا الموضوع للمعرفه وللتعرف فقط على دين موجود ويؤمن به عدد من الأشخاص وأيضا لكى يعرف الشخص الديانات من حوله وتندرج الديانه البوذيه تحت مسمى عباده الأصنام فى الإسلام


بوذية هي ديانة غير ألوهية وهي من الديانات الرئيسية في العالم، تم تأسيسها عن طريق التعاليم التي تركها بوذا 'المتيقظ". نشأت البوذية في شمالي الهند وتدريجياً انتشرت في أنحاء أسيا، التيبت فسريلانكا، ثم إلى الصين، منغوليا، كوريا، فاليابان.


تتمحور العقيدة البوذية حول 3 أمور (الجواهر الثلاث): أولها، الإيمان ببوذا كمعلّم مستنير للعقيدة البوذية، ثانيها، الإيمان بـ "دارما"، وهي تعاليم بوذا وتسمّى هذه التعاليم بالحقيقة، ثالثها وآخرها، المجتمع البوذي. تعني كلمة بوذا بلغة بالي الهندية القديمة، "الرجل المتيقّظ" (وتترجم أحيانا بكلمة المستنير). تجدر الإشارة إلى أن اللفظ الأصلي لمؤسس الديانة البوذية (بوذا) هو "بودا"، بالدّال، وليس بالذال.
مقدمة


كانت البوذية في الأصل حركة رُهبانية نشأت داخل التقاليد البراهمانية، تحولت عن مسارها عندما قام بوذا بإنكار المبادئ الأساسية في الفلسفة الهندوسية، بالإضافة إلى رفضه وِصاية السُلطة الكَهنوتية، كما لم يرد أن يعترف بأهلِية كتابات الفيدا، وكذا مظاهر وطقوس عبادة الآلِهات التي كانت تقوم عليها. كانت التعاليم الجديدة التي بشر بها موجهة للرجال والنساء و إلى كل الطبقات الاجتماعية بدون استثناء. كان بوذا يرفض المبدأ القائل بأن القيمة الروحية للإنسان تتَحدَد عند ولادته (نظام الطبقات الاجتماعية الهندوسي). تتواجد البوذية اليوم في صورتين: العقيدة الأصلية المسماة "ثيرافادا" (أو "هينايانا") ومعناها "العربة الصغيرة"، ثم الـ"ماهايانا" أو "العربة الكبيرة".


انتشرت البوذية في بلدان عديدة: الهند، سريلانكا، تايلاند، كمبوديا، بورما، لاوس، ويسود مذهب "ثيرافادا" في هذه الدول، فيما انتشر مذهب "ماهايانا" في كل من الصين، اليابان، تايوان، التبت، النيبال، منغوليا، كوريا، فيتنام، وبعض الأجزاء من الهند. يتواجد في العالم حوالي 150 مليون إلى 300 مليون شخص من معتنقي هذه الديانة. تعتبر عملية إحصاء عدد المنتسبين لهذه الديانة في البلدان الآسيوية مشكلة عويصة نظرا لتعوُد الناس على اعتناق خليط من المعتقدات في آن واحد، كما أن بعض البلدان مثل الصين تمنع إجراء مثل هذه الإحصاءات نظرا لحساسية الموضوع الديني.
العقيدة الأصلية
الأصول الأولى للبوذية
إن أولى المعلومات عن حياة بوذا لا تعدوا كونها مجرد آثار شفوية متناثرة، لم تظهر أولى الترجمات الكاملة لحياته إلا بعد وفاته بسنين، غير أن المؤرخون يُجمعون على أن تاريخ مولده كان في منتصف القرن السادس قبل الميلاد.


ولد بوذا واسمه الحقيقي "سيدارتا غاوثاما"، في "كايبافاستو"، على الحدود الفاصلة بين الهند والنيبال. كان والِدُه حاكما على مملكة صغيرة. تقول الأسطورة أنه وعند مولده تنبأ له بعض الحكماء بأن تكون له حياةٌ استثنائية وأن يصبح أحد اثنين، حكيما أو سُلطانا. تربَى الأمير الشاب في رعاية والده وعاش حياة باذخة وناعمة، حتى إذا بلغ سن التاسعة والعشرين، أخد يتدبر أمرهُ وتبين له كم كانت حياته فارغة ومن غير معنى. قام بترك الملذات الدنيوية، وذهب يبحث عن الطمأنينة الداخلية وحالة التيقظ (الاستنارة)، محاولا أن يخرج من دورة التناسخ (حسب التقاليد الهندوسية). قام بممارسة اليوغا لبعض السنوات، وأخضع نفسه لتمارين قاسية وكان الزهد والتقشف شعاره في هذه المرحلة من حياته.


بعد سبع سنوات من الجُهد، تخلى "غاوثاما" عن هذه الطريقة، والتي لم تعُد تقنعه، واتبع طريقا وسطا بين الحياة الدنيوية وحياة الزُهّاد. كان يجلس تحت شجرة التين، والتي أصبحت تُعرف بشجرة الحكمة، ثم يأخذ في ممارسة التأمل، جرب حالات عديدة من التيقظ، حتى أصبح "بوذيساتفا"، أي أنه صار مؤهلا لأن يَرتقى إلى أعلى مرتبة وهي بوذا. في إحدى الليالي وبينما كان جالسا تحت شجرة التين، بلغ حالة الاستنارة، وأصبح بوذا، أي المتيقظ (أو المستنير). بعد أن بلغ أعلى درجات الحقيقية، شرع بوذا يدعو إلى مذهبه، فتنقل من قرية إلى قرية، أخذ يجمع الناس من حوله، وأسس لطائفة من الرهبان عرفت باسم "سانغا". كرس بوذا بقية حياته لتعليم الناس حقيقة دعوته.
[عدل] تعاليم بوذا الأصلية


كانت التعاليم التي خلفها بوذا لأتباعه شفوية. لم يترك وراءه أي مصنف أو كتاب يعبر فيه عن معتقداته وآرائه. بعد وفاته قام أتباعه بتجميع هذه التعاليم ثم كتابها، وشرحها. من بين آلاف المواعظ الواردة في كتابات السوترا والتي تنسبها الآثار الهندية إلى بوذا، يصعب التفريق بين المواعظ التي ترجع إليه وتلك التي وضعها أتباعه ومُرِيديه بعد وفاته، على أنها تسمح لنا باستخلاص الخطوط العريضة التي قامت عليها العقيدة البوذية.


تقوم العقيدة الأصلية على مبدأين: يتنقل الأحياء أثناء دورة كينونتهم من حياة إلى أخرى، ومن هيئة إلى أخرى: إنسان، إله، حيوان، شخص منبوذ وغير ذلك. تتحدد طبيعة الحياة المقبلة تبعا للأعمال التي أنجزها الكائن الحي في حياته السابقة، ينبعث الذين أدوا أعمال جليلة إلى حياة أفضل، فيما يعيش الذين أدوا أعمال خبيثة حياة بائسة وشاقة. عُرف المبدأ الأول بين الهنود حتى قبل مقدم بوذا، فيما يُرجح أن يكون هو من قام بوضع المبدأ الثاني.


ويمكن تلخيص تعاليم بوذا بالحقائق النبيلة الأربع التالية: 1-أن الحياة معاناة: وهي لا تخلو من المعاناة التي يسببها الشقاء ومصادر الشقاء في العالم سبعة:الولادة-الشيخوخة-المرض-الموت-مصاحبة العدو-مفارقة الصديق-الإخفاق في التماس ما تطلبه النفس وفي هذا المجال يقول بوذا:(ان سر هذه المتاعب هو رغبتنا في الحياة وسر الراحة هو قتل تلك الرغبة) 2-والحقيقة الثانية :هي الأصل في منشأ المعاناة وعدم وجود السعادة وهي ناجمة عن التمسك بالحياة ويقول بوذا:(ان منشأ هذه المعاناة الحتمية يرجع إلى الرغبات التي تمتلئ بها نفوسنا للحصول على أشياء خاصة لنا أننا نرغب دائما في شيء ما مثل: السعادة أو الأمان أو القوة أوالجمال أو الثراء ....)أي أن سبب الشقاء و عدم السعادة هو الأنانية الإنسانية وحب الشهوات والرغبات 3-والحقيقة الثالثة :هي حقيقة التخلص من المعاناة ولا يتم الا بالكف عن التعلق بالحياة والتخلص من الأنانية وحب الشهوات في نفوسنا وتسمى هذه الحالة (النيرفانا) أو الصفاء الروحي 4-والحقيقة الرابعة : هي أن طريق التخلص من الأنانية والشهوات و متاع الدنيا يوجب على الإنسان اتباع الطريق النبيل ذي الفروع الثمانبة وهي: -الإدراك السليم للحقائق الأربع النبيلة -التفكير السليم الخالي من كل نزعة هوى أو جموح شهوة أو اضطراب في الأماني والأحلام -الفعل السليم الذي يسلكه الإنسان في سبيل حياة مستقيمة سائرة على مقتضى السلوك والعلم والحق -الكلام السليم أي قول الصدق بدون زور أو بهتان -المعيشة السليمة القائمة على هجر اللذات تماما والمتطابقة مع السلوك القويم والعلم السليم -السلوك السليم -الملاحظة السليمة -التركيز السليم
الحقائق النبيلة الأربع
أثناء مرحلة تبشيره الأولى، قام بوذا بتعليم أتباعه الحقائق الأربع النبيلة. وتختزل هذه الحقائق تعاليم العقيدة الأصلية.


1- أولى هذه الحقائق هي المُعاناة: الحياة الإنسانية في أساسها معاناة متواصلة، منذ لحظات الولادة الأولى وحتى الممات. كل الموجودات (الكائنات الحية والجمادات) تتكون من عناصر لها دورة حياة مُنتهية، من خصائص هذه العناصر أنها مُجردة من مفهومي الأنا الذاتي والأزلية، كما أن اتحادها الظرفي وحده فقط يمكن أن يُوحي بكينونة موحدة. تتولد الآلام والمعاناة من غياب الأنا (راجع فقرة أناتمان) وعدم استمرارية الأشياء، لذا فهي -المعاناة- ملازمة لكل دورةِ حياة، حتى حياة الآلهات (لم تتعارض البوذية الأولى مع الهندوسية وتعدد الآلهات) نفسها والمليئة بالسعادة، لابد لها أن تنتهي. بالنسبة لبوذا والذي كان يؤمن بالتصور الهندوسي لدورة الخلق والتناسخ (الانبعاث)، لا يشكل موت الإنسان راحة له وخلاصا من هذه الدورة.


2- الحقيقة الثانية عن أصل المعاناة الإنسانية: إن الانسياق وراء الشهوات، والرغبة في تلبيتها هي أصل المعاناة، تؤدي هذه الرغبات إلى الانبعاث من جديد لتذوق ملذات الدنيا مرة أخرى. تولدت هذه الرغبة نتيجة عدة عوامل إلا أن الجهل هو أصلها جميعا. إن الجهل بالطبيعية الحقيقة للأشياء ثم الانسياق وراء الملذات يُوّلِدان الجذور الثلاثة لطبيعة الشّر، وهي: الشهوانية، الحِقد والوَهم، وتنشأ من هذه الأصول كل أنواع الرذائل والأفكار الخاطئة. تدفع هذه الأحاسيس بالإنسان إلى التفاعل معها، فيقحم نفسه بالتالي في نظام دورة الخلق والتناسخ.


3- الحقيقة الثالثة عن إيقاف المعاناة: وتقول بأن الجهل والتعلق بالأشياء المادية يمكن التغلب والقضاء عليهما. يتحقق ذلك عن طريق كبح الشهوات ومن ثمة القضاء الكلي (نيرفانا) على ثمار هذه الأعمال (كارما)، والناتجة عن الأصول الثلاثة لطبيعة الشر. وحتى تتحقق العملية لا بد من الاستعانة بالقديسين البوذيين من الدرجات العليا، وحتى ببوذا نفسه، والذي يواصل العيش في حالة من السكينة التي لا يعكر صفوها طارئ.


4- الحقيقة الرابعة عن الطريق الذي يؤدي إلى إيقاف المعاناة: ويتألف الطريق من ثمان مراحل، ويسمى بالدَرْب الثُماني النبيل، تمتد على طول هذا الطريق ثمان فضائل:


* الفهم السوي،
* التفكير السوي،
* القول السوي،
* الفعل السوي،
* الارتزاق السوي،
* الجهد السوي،
* الانتباه السوي
* وأخيرا التركيز السوي.


توزع هذه الفضائل إلى ثلاث أقسام: الفضيلة، الحكمة والتأمل. ويتم الوصول إلى كل واحد منها عن طريق وسائل مختلفة. أول هذه الوسائل هي اتباع سلوكيات أخلاقية صارمة، والامتناع عن العديد من الملذات. تهدف الوسائل الأخرى إلى التغلب على الجهل، عن طريق التمعن الدقيق في حقيقة الأشياء، ثم إزالة الرغبات عن طريق تهدئة النفس وكبح الشهوات، وهي -أي الوسائل- تشتمل على عدة تمارين نفسانية، من أهمها ممارسة التأمل (ذيانا)، لفترة طويلة كل يوم. عن طريق إعمال العقل في جملة من الأفكار أو الصور، وتثبيتها في الذهن، يمكن شيئا فشيئا أن يتحول العقل ويقتنع بحقيقة العقائد المختلفة للبوذية، فيتخلص من الشوائب، والأفكار الخاطئة، والمناهج السيئة في التفكير، فتتطور بالتالي الفضائل التي تؤدي إلى الخلاص، وتتبد العادات السيئة المتولدة عن الشهوة. عن طريق اتباع هذه التمارين والتزام الأخلاق النبيلة يمكن للراهب البوذي أن يصل وفي ظرف زمني قصير (فترة حياته) إلى الخلاص.
الجواهر الثلاث
عندما يعتنق شخص ما الدين البوذي عليه أن يعلن وبصريح العبارة أنه يلتمس لنفسه الملاذ ويتعوذ بالجواهر الثلاث (أعوذ ببوذا، بالدراما وبالسانغا)، ويتم ذلك أمام جمع من الرهبان البوذيين (سانغا)، وفق مراسيم وطقوس خاصة. حسب مفهوم البوذية يتوجب على الشخص الطامح إلى الخلاص أن يلوذ بثلاث أشياء أساسية، والمعروفة بـ"الجواهر الثلاث" (راجع تريراتنا):


* بوذا: والمقصود هنا الشخصية التاريخية المعروفة باسم "غاوتاما"، إلا أن هذا المفهوم يتسِع -حسب مذهب ماهايانا- ليشمل بوذاتٍ (جمع بوذا) آخرين يمكن التعوذ بهم؛
* الدارما: وهي التعاليم التي تركها بوذا -الشخصية التاريخية-، وتتلخص حسب ماهايانا في نصوص الـ"سوترا" (راجع النصوص المقدسة)؛
* السانغا: وهي طائفة الرهبان والراهبات، والمقصود هنا بعض الرهبان ممن نَذر نفسه لمساعدة الآخرين، ويٌطلق على بعضهم لقب "بوديساتفا".


الهدف الأول من طلب الملاذ هو التخفيف من العواقب والمعاناة التي تسببها الكارما، وهذا ما يطمع إليه غالبا عامة الناس، إلا أن الهدف الأسمى يتمثل في الوصل إلى حالة الاستنارة أو التيقظ والتحرر الكُلي من الكارما، وهذا حال الرهبان والراهبات..
مفاهيم أساسية
الكارْما
يطلق لفظ كارما على الأفعال التي يقوم بها الكائن الحي، والعواقب الأخلاقية الناتجة عنها. إن أي عملٍ، خيِّرا كان أو شّرا، وأي كان مصدره، فعل، قول أو مجرد إعمال فكرة، لا بد أن تترتب عنه عواقب، ما دام قد نَتَج عن وعي وإدراك مسبوق، وتأخذ هذه العواقب شكل ثمارٍ، تنموا وبمجرد أن تنضج تسقط على صاحبها، فيكون جزائُه إما الثواب أو العِقاب. قد تطول أو تقصر المدة التي تتطلبها عملية نضوج الثمار (أو عواقب الأعمال)، غير أنها تتجاوز في الأغلب فترة حياة الإنسان، فيتحتم على صاحبها الانبعاث مرة أخرى لينال الجزاء الذي يستحقه.


لا يمكن لكائن من كان أن ينال جزاء لا يستحقه، نظرا لأن الكارما تقوم على عدالة شاملة. يعمل نظام الكارما وفق قانون أخلاقي طبيعي قائم بذاته وليس (كما في الأديان الأخرى) تحت سلطة الأحكام الإلهية. تتحدد وفقا للكارما عوامل مثل المظهر الخارجي، الجمال، الذكاء، العمر، الثراء والمركز الاجتماعي. حسب هذه الفلسفة يمكن أن لكارماتٍ مختلفة ومتفاوتة، أن تؤدي في النهاية إلى أن يتقمص الكائن الحي شكل إنسان، حيوان، شبح أو حتى إحدى شخصيات الآلهات الهندوسية.
الآلهة
كما جردت البوذية الموجودات من مفهوم الأنا فقد جردت الكون من مفهوم الخالق الأزلي -مصدر خلاص الجميع-. لا تعارض في البوذية مع فكرة وجود آلهات عدة، إلا أنها رفضت أن تخصص لها مكانة في عقيدتها. تعيش الآلهات حياةً طويلة وسعيدة في الفردوس، ومع هذا فهي معرضة للمواقف صعبة، على غرار ما يحصل للكائنات الأخرى. يمكن لها أن تخوض تجربة الممات ثم الانبعاث من جديد في كينونة أقل شأنا. ليس للآلهة يدٌ في خلق الكون، كما لا يمكنها التحكم في مصير الكائنات الحية. ترفض البوذية الصلوات والأضاحي التي تخصص لها. من بين الأشكال التي يمكن تقمُصها بعد الانبعاث ترى البوذية أن الحياة الإنسانية أفضلها على الإطلاق، رغم أنها من درجة أعلى إلا أن انشغال الآلهات بملذاتها الشخصية يشغلها عن طلب التحرر. فقط الكائنات الإنسانية تتوفر فيها المزايا التي تؤهلها إلى بلوغ التيقظ (الاستنارة) ومن ثمة التحرر.
النيرفانا
الهدف الأسمى حسب البوذية هو التحرر التام عبر كَسر دورة الحياة والانبعاث ، والتخلص من الآلام والمعاناة التي تحملها خلال حياته. وبما أن الكارما هي عواقب الأفعال التي يقوم الأشخاص، فلا خلاص للكائن ما دامت الكارما موجودة.


يستعمل لفظ "نيرفانا" لوصف حالة التيقظ التي تخمُد معها نيران العوامل التي تسبب الآلام (الشهوة، الحقد والجهل). لا يحدُث التبدد الكلي للكارما عند بلوغ النيرفانا، يمكن وصف هذه الحالة بأنها بداية النهاية في طريق الخلاص. النيرفانا حالة من الوعي والإدراك لا يمكن تعريفها ولا حتى فهمها، بعد أن يصلها الكائن الحي، ويُصبح متيقظا، يستمر في العيش ومع الوقت يقوم بتبديد كل الكارما الخاصة به، حتى يبلغ عند مماتِه "النيرفانا الكاملة" -parinirvana- (التبدد الكُلي للكارما). عندما يموت هؤلاء الأشخاص فإنهم لا يُبعثون -فقد استنفذت الكارما-، ولا يمكن لأيٍ كان أن يستوعب حالة الطوبى الأزلية التي يبلغونها (حسب أقوال بوذا نفسه).


نظريا على الأقل، يمكن لأي كان أن يبلغ حالة النيرفانا، إلا أن تحقيقها يبقى مقصورا على أفراد طائفة الرهبان. بعد أن يمر الشخص على كل المراحل في الدرب الثماني النبيل، ويتوصل إلى حالة اليقظة (الاستنارة)، يحظى بمكانة رفيعة بين قومه و يطلق عليه في التقاليد البوذية -للتيرافادا- لقب "أرهانت" (arhant).


بالنسبة للأشخاص الآخرين والغير قادرين على بلوغ الغاية النبيلة، عليهم بالاكتفاء بتحسين الكارما الخاصة بهم، علهم يحظون بحياة أفضل بعد الانبعاث. عادة ما يكون هذا مطلب أفراد الطائفة البوذية من غير الرهبان (العلمانيين أو الناس العاديين)، يأمل هؤلاء أن يصبحوا يوما من أفراد "السانغا" (مجتمع الرهبان البوذيون)، وأن يعيشوا حياة تؤهلهم للوصول إلى حالة التيقظ. للوصول إلى النيرفانا، يجب اتباع سلوكيات أخلاقية هي خليط من حياة العزلة وانطواء على الذات. تتطلب هذه الأخيرة ممارسة أربع فضائل، والتي تسمى "قصر البراهما": الإحسان، الإشفاق، التفكير الإيجابي، والرزانة. تساعد هذه الممارسات على انبعاث إيجابي (حياة أفضل). يتوجب على الأشخاص القيام بأعمال اجتماعية جليلة، وبالأخص تجاه الرهبان البوذيين (الصدقات)، وكذا الالتزام بالقواعد الخمس التي تشكل أساس الممارسات الأخلاقية للبوذية:


* 1- الكف عن القتل،
* 2- الكف عن أخذ ما لم يُعطى له،
* 3- الكف عن الكلام السيئ،
* 4- الكف عن السلوكيات الحِسية المُشينة،
* 5- الكف عن تناول المشروبات المُسْكِرة والمخدرات.


بإتباع هذه التعاليم يمكن القضاء على الأصول الثلاثة للشرور: الشهوانية، الحِقد والوَهم.
أناتمان أو عقيدة اللا-أنا


تنقسم الكائنات إلى خمس مفاهيم -حسب البوذية-: الهيئة (الجسمانية)، الحواس، الإدراك، الكارما والضمير. الإنسان هو مجرد اتحاد زمني طارئ لهذه المفاهيم، وهو معرض بالتالي للـ"لا-استمرارية" وعدم التواصل، يبقى الإنسان يتحول مع كل لحظة جديدة، رغم اعتقاده أنه لا يزال كما هو. ترفض البوذية الفكرة القائلة بأن هذه الأقسام -أو المفاهيم-، يمكن اعتبارها كينونة موحدة وروحا قائمة بذاتها (أتمان)، وتعتبر أنه من الخطأ التصور بوجود "أنا ذاتية"، وجعلها أساس جميع الموجودات التي تؤلف الكون. يعتقد بوذا أن عقيدة كهذه يمكن أن تؤدي إلى الأنانية، فتنجم عنها الرغبة التي تولد الآلام. وعليه فقد قام بتعليم عقيدة الـ"لا-أنا" (أناتمان). يقول بوذا أن الكينونة تحددها ثلاثة عناصر: الـ"لا-أنا" (أناتمان)، الديمومة العارِضة -سريعة الزوال- (أنيتيا) و الآلام (دوكا).


أوجبت عقيدة الـ"لا-أنا" على بوذا أن يعيد شرح التصور الهندوسي لدورة الحياة والتناسخ (عجلة الحياة والمسماة "سامسارا")، فكانت عقيدة "التوالُد المُحدَد" (المشروط)، وتتلخص الفكرة في أن مجموعة من الأحداث الدورية -تكرر مع كل دورة جديدة-، وهي اثني عشر عاملا يرتبط كل منها بالآخر، هي التي تساهم في الظروف التي تولد الآلام -وليس "الأنا الذاتية"، بما أنه نفى وجودها-. إن تسلسل هذه الأحداث يُبيّن كيف تنشأ انطلاقا من الجهلِ تركيباتٌ نَفسانية والتي تصبح بدورها المُسببات التي تؤدي إلى تشغيل الحواس والوظائف العقلية. ومن هنا يتولد الإحساس المسئول عن الشعور بالرغبة والتعلق بالحياة. تقوم هذا السلسلة بتفعيل وتشغيل عملية التناسخ، فتنطلق دورة تتجدد باستمرار، حياة فشيخوخة فموت. عن طريق هذه السلسلة من الأسباب تنشأ علاقة بين الكينونة الآنية والكينونة الآتية (إن تصور البوذية للحياة على أنها فيضٌ طارِئ تَشَكَل بعد اجتماع عدة عوامل، يتعارض مع فكرة انبعاث نفسِ الكائن الحي في كل مرة!). عن طريق ممارسة التأمل يتم اجهاد هذه التركيبات النفسانية، ومن ثمة إيقاف مسببات الآلام، والوصول إلى الخلاص والتحرر (الخروج من دورة التناسخ). كما جردت البوذية الموجودات من مفهوم الأنا فقد جردت الكون من مفهوم الخالق الأزلي -مصدر خلاص الجميع-.
السَّلات الثلاث والكتابات المقدسة الأخرى
كانت التعاليم التي دُونت أثناء المجامع البوذية الأولى يتِم تناقلها بطريقة شفهية، حتى تقرر في القرن الأول قبل الميلاد تدوينها بطريقة نهاية. اختارت كل مدرسة لغة معينة لتدون بها هذه التعاليم، وكانت اللغة السنسكريتية (بلهجاتها العديدة) اللغة الطاغية. لم يتبق اليوم إلا بعض القطع المتناثرة من المخطوطات الأولى. بالإضافة إلى النسخ بالسنسكريتية تتواجد نسخة أخرى كتبت بلغة بالي، وهي لغة هندية قديمة، تعتبر هذه الأخيرة النسخة الكاملة الوحيدة المحفوظة للتعاليم بوذا الأصلية، ويُطلق عليها أتباع مذهب "تيرافادا" تسمية "قانون بالي".


تم ترتيب الكتابات البوذية التي كتبت في الفترة الأولى في ثلاث مجموعات، عرفت باسم "تريباتاكا" (Tripitaka) أو "السَّلات الثلاث":


* سوترا بيتاكا (Sutra Pitaka): وهي مجموعة الكتابات الأصلية، وتتضمن الحوارات التي دارت بين بوذا ومُرِيديه. قُسمت بدورها إلى خمس مجموعات: (1) النصوص الطويلة، (2) النصوص المتوسطة الطول، (3) النصوص المَجمعة، (4) نصوص متنوعة ثم (5) مجموعةٌ من النصوص المختلفة الأخرى. وتتضمن المجموعة الأخيرة روايات كثيرة عن الكينونات السابقة التي عرفها بوذا التاريخي، بالإضافة إلى بعض القصص المختصرة عن التعاليم التي تتعرض إلى الأخلاق وكيفية ضبط النفس، ويستحب الناس هذه القصص كثيرا، نظرا للعبر التي تتضمنها.


* فينايا بيتاكا (Vinaya Pitaka): وهي الكتابات التي تتعرض للجانب التنظيمي والأخلاقي لحياة الرهبنة، وتتضمن حوالي مائتين وخمس وعشرون قاعدة، حول سلوك الرهبان والراهبات البوذيات. رتبت هذه القواعد حسب حجم الضرر الذي يترتب عن تركها وعدم الأخذ بها، كما أرفقت بقصة تحكي أهميتها.


* أبهيدارما بيتاكا (Abhidharma Pitaka): وتتضمن مناقشات في الفلسفة، العقائد وغيرها من الموضوعات التي تمس العقيدة البوذية. قسمت إلى سبعة اقسام يتضمن كل منها تقسيمات للظواهر النفسانية، وتحليلات متعددة لظواهر ما وراء الطبيعة. نظرا لطبيعة المواضيع التي تتعرض لها هذه الكتابات، فقد نفرَ منها عامة الناس، واقتصرت دراستها على بعض الرُهبان المُتمكنين.


بالإضافة إلى السَّلات الثلاثة، هناك نصان أساسيان في عقيدة "التيرافادا"، رغم أنها لا يُصنفان ضمن النصوص الأساسية. (Milindapanha) أو (أسئلة الملك ميليندا)، ويرجع إلى القرن الثاني للميلاد، وتمت صياغته في شكل أسئلة وأجوبتها، تتعلق بجوهر العقيدة البوذية. ثاني هذه الكتابات والمعروف باسم (Visuddhimagga)، قام بكتابته الراهب بوداغويا (Buddhaghosa) في القرن الخامس للميلاد، ولخص فيها الأفكار البوذية بالإضافة إلى شرحه إلى كيفية ممارسة التأمل.


يَعتقد أتباع مذهب "تيرافادا" أن السَّلات الثلاث، تتضمن خلاصة أقوال وتعاليم "سيدهارتا غاوتاما" التي استوعبتها وحفظتها ذاكرة أتباع. على أن مذهب ماهايانا الشمالي لا يكتفي فقط بالتعاليم التي تركها بوذا التاريخي. بعد أن انقسم أتباع البوذية الأوائل إلى مذاهب وفِرق، أضافت هذه الجماعات إلى السلات الثلاث العديد من النصوص الأخرى. رغم أن هذه الكتابات أنجزت بعد الفترة التاريخية الأولى للبوذية، إلا أن أتباع المذهب الشمالي (ماهايانا)، يَعتبرون أنها لا تقل أهمية عن النصوص الأصلية. و تعتبر "سوترا لوتس الشريعة الحَقَانِية" (Saddharmapundarika Sutra) من أهم هذه الكتابات.
حياة الرهبان وعامة الناس
سانغا: الرهبان والحياة في الأديرة


منذ الأيام الأولى لظهورها شعر أتباع العقيدة البوذية بحاجتهم إلى أن ينتظموا، فتشكل ما يعرف بالـ"سانغا"، وهو الاسم الذي أُطلِق على هذا التنظيم الاجتماعي الجديد. اعتزل البوذيون الأوائل حياة العامة حتى صار مجتمعهم ذو طبيعة رهبانية خالصة. قاموا بحلق رؤوسهم واختصروا لباسهم في قطعة قماش واحدة ذات لون برتقالي فاقع. ظل اعتماد هذا المظهر سائدا منذ تلك الأيام الأولى وأصبح اليوم علامة فارقة تميزهم. اتبع الرهبان البوذيون حياة التِرحال في بداية الأمر، وكانوا يتجمعون مرة واحدة في السنة وذلك عند حلول موسم الأمطار والفياضانات وتعذر السفر نظرا للمشقة الكبيرة، ومع مرور السنين تركوا حياة التِرحال وابتنوا لأنفسهم مقراتٍ دائمة حتى يؤووا إليها. تُدبر كل طائفة أمرها بنفسها، وبصفة مستقلة عن الطوائف الأخرى، ويتم اتخاذ القرارات بصفة جماعية. كانت الحياة الرهبانية تنظَّم وِفْق نصوص "فينايا بيتاكا" (Vinaya Pitaka) (راجع: السَّلات الثلاث). يتم كل أسبوعين عقد اجتماع يضُم جماعة منتخبة من الرهبان، تقوم هذه المجموعة بقراءة القواعد الخاصة التي جاءت بها كتابات "فينايا"، ويقوم المذنبون أثناء الجلسة بالاعتراف علنا بكل المخالفات التي ارتكبوها.


لم يكن سانغا (أو مجتمع الرهبان) حكرا على الرجال فقط، وقد خرجت البوذية في منحاها هذا عن الأعراف التي سادت في الديانة الهندوسية. عادة ما يكون الرهبان أو الراهبات -حسب مذهب تيرافادا- عُزابا، يكسبون قوت يومهم عن طريق طلب الصدقة من العامة، ورغم أن هذه العادة تبدوا مستهجنة بعض الشيء إلا أنها ظلت ملاصقة لتاريخ الرهبان البوذية منذ أيام بوذا. وحدها مدرسة "زن" -أو "تشان"- تحظر على رُهبانها الارتزاق بهذه الطريقة، فأوجبت عليهم بدل ذلك العمل في الحقول لكسب قوتهم اليومي. تُعتبر المدارس البوذية في اليابان أكثر تفتُحا من غيرها، فمدرسة "شين"، تسمح لرهبانها بالزواج وتأسيس عائلة. عادة ما يتولى الرهبان البوذيين إدارة مراسيم الجنازة، كما يقودون الاحتفالات التي تنظم على شرف بعض الموتى، ويتم فيها تِعداد خصالهم الحميدة والأعمال الخيِّرة التي أنجزوها أثناء حياتهم.
الحياة العامة، العبادة والمظاهر الاحتفالية
بالإضافة إلى الرهبان، يُشكل جمهور الناس في البلدان الآسيوية القِطاع الأكبر من أتباع البوذية. فيما يُمارس الرهبان طقوسهم الدينية بطريقة جماعية، يَطغى الجانب الفردي على ممارسات الجمهور. رغم اختلافهما في الواجبات وما يترتب عن ذلك، يشترك الجمهور والرهبان في تلاوتهم لصيغة الملاذات الثلاث : "أعوذ ببوذا، بدارما وبسانغا"، وذلك أثناء أداءهم للصلوات.


تختلف بعض مظاهر التبجيل والاحتفال ببوذا والقديسين تبعا للمذهب والبلاد، فرغم أن أتباع مذهب "تيرافادا" لم يرفعوا بوذا التاريخي إلى درجة الألوهية، إلا أنهم خصصوا له بناءات خاصة تدعى "ستوبا" وهي أبنية على شكل قباب، توضع بداخلها لوازم وآثار مختلفة ترجع إلى بوذا. يقوم الأتباع بالمشي حول مبنى الـ"ستوبا" في اتجاه عقارب الساعة، حاملين معهم زهورا وبعضا من عيدان البخور، كدلالة على احترامهم للمكان.


تحتفظ أماكن متفرقة ببعض الآثار لبوذا، على غرار معبد "كاندي" في سريلانكا، والتي يضُم في صومعته سِنا يُقال إنها تعود لبوذا، ويحتضن المكان احتفالا كبيرا يقام سنويا بمناسبة ذكرى ميلاده. يُعتبر يوم ميلاد بوذا أهم مناسبة احتفالية في الرزنامة البوذية، يُطلق على المناسبة في مذهب تيرافادا اسم "فايساكا" (Vaisakha) وتقام الاحتفالات التي تصاحبها على مدار الشهر الذي يلي هذا التاريخ (تاريخ مولد بوذا). ثاني أهم مناسبة في البلدان التي يسود فيها المذهب الأخير -تيرافاد-، ويطلق عليها اسم "بيريت" (pirit)، يتم فيها تلاوة نُصوص مختارة من قوانين بالي (راجع النصوص المقدسة) حتى تطرد الأرواح الشريرة و يشفى المرضى، كما يتم فيها مُباركة الأعمال الخيِّرة وغيرها.


تكتسي الطقوس والمراسيم أهمية أكبر لدى أتباع مذهب ماهايانا (الصين واليابان). يتم تعليق صور مختلفة لبوذا ولشخصيات مقدسة في مذابح المعابد وفي مخادع البيوت، وتتخذ كوسيلة للتبرك. تتم العبادة عن طريق أداء الصلوات وترتيل بعض النصوص المقدسة بطريقة جَهْورِية، كما يتم تقديم بعض القرابين من فواكه وزهورٍ وبخور. تُعتبر مناسبة "أولامبانا" (Ullambana) أبرز المظاهر الاحتفالية البوذية وتحظى بشعبية كبيرة في الصين واليابان، يَعتقد الأَتباع أنه وفي هذا اليوم تفتح أبواب العالم الآخر، ويسمح للموتى بزيارة أقربائهم الأحياء، ويقوم هؤلاء بدورهم بتقديم القرابين عرفانا لهم.
التاريخ والانتشار
المجامع البوذية الأولى


رغم إلحاح أتباعه عليه إلا أن بوذا توفي من غير أن يُزكي شخصاً يتولى شؤونهم، وصَأهم بالعمل على طلب الخلاص. كانت التعاليم الشفوية أهم تركة خلفها بوذا وراءه، أحس أتباعُه بالفراغ الذي تركه رحيله، فقرروا أن ينتظموا في طائفة واحدة حتى يحافظوا على هذه التركة. جرياً على هذا المبدأ عقد أتباع البوذية الأوائل عدة اجتماعات لبحث المسائل المختلفة التي تتناول عقيدتهم. يعتبر المؤرخون أن أربع مجامع فقط يمكن اعتبارها أساسية.


تم عقد أول مجمعٍ بعد وفاة بوذا بفترة قليلة في "راجغير" (الهند) عام 477 ق.م. قام الحاضرون بتلاوة التعاليم الشفوية التي تركها بوذا، واتفقوا فيما بينهم على مضمونها، كما ناقشوا المنهج الأمثل في الحياة الواجب اتباعه عند اختيار حياة الرَّهبنة.


بعد حوالي قرن من التاريخ الأول عقد المجمع الثاني في "فايسالي" (ولاية بيهار-الهند)، كان هدفه توضيح وجهات نظر اتجاه بعض التصرفات التي تطبع الحياة اليومية على غرار استعمال النقود، استهلاك الخمر، بالإضافة إلى بعض الأمور وكذا البدع الجديدة التي استحدثتها إحدى طوائف الرهبان. اختتمت الجلسات بعدا أن تم الإجماع على منافاة هذه التصرفات لروح البوذية. يعتقِد البعض أنه وأثناء عقد هذا المجمع ظهرت ولأول مرة علامات الانقسام بين الأتباع ذوي توجهات مختلفة. تُشِير المصادر التاريخية التي دُوِنت في تلك الفترة إلى خلاف نَجم بين أعضاء المجلس الكبير (ماهاسانغيكا) ومجلس القدماء (ستارفيرا)، بعد أن أبدى الأخيرين مواقف متشددة وصارمة اتجاه التصرفات والبدع الجديدة. لم يكن لهذه الخلافات تبِعات فورية في حينها، إلا أنه وبعد مرور سبعٍ وثلاثين عاماً منذ ذلك التاريخ، أخذت الخلافات تتفاقم، كانت المواضيع محل الخلاف متنوعة، وتشمل الجوانب المتعلقة بتنظيم الأديرة، تفسير بعض المسائل العقائدية، كيفية معاملة جمهور الناس بصفتهم لا ينتمون إلى مجتمع الرهبان وغيرها من المسائل. في مثل هذه الظروف تم عقد مجمع آخر، ونظرا لاتساع الهُوة بين الأطراف المتنازعة تقرر الإعلان وبصفة رسمية عن انقسام الطائفة البوذية للمرة الأولى في تاريخها.


انشطر أتباع البوذية بعد المجمع الثاني إلى جماعات وطوائف عِدة (تعرف بالمدارس التقليدية، وبلغ عددها ثمانية عشر مدرسة)، اختلفت كل واحدة مع الأخرى في المسائل العقائدية، الفلسفية، والتنظيمية وغير ذلك. اندثرت أغلب المدارس التقليدية الأولى ولم يتبق منها اليوم إلا واحدة فقط، وتعرف باسم "تيرافادا" وهو المذهب السائد في الهند وسائر البلدان المُطلة على خليج البنغال.


كان المجمع الثالث للبوذية حدثا استثنائيا في تاريخ البوذية، فقد تم عقده في "باتاليبورتا" (عاصمة إقليم بيهار في الهند) في القرن الثالث قبل الميلاد، وتحت إشراف الملك أشوكا، أعظم ملوك دولة "ماوريا"، والتي شملت مساحتها كل بلاد الهند وباكستان تقريبا (هندوستان). من أهم النتائج التي ترتبت عنه، طرد العديد من أشباه الرُهبان والمنافقين الذين التحقوا بالـ"سانغا" (الاسم الذي يطلق على مجتمع الرُهبان) بعد أن قدَم الملك أشوكا دعمه لهم. تم التشديد على محاربة البدع الجديدة المتحدثة، وإقصاء كل الذين كانوا وراءها. أثناء هذا المجمع تم الانتهاء من كتابة النصوص المعروفة باسم "تيربيتاكا" أو "السَّلات الثلاث" (راجع النصوص المقدسة)، كما عرفت العقيدة الأساسية (والمقصود هنا الدارما أو التعاليم) والقواعد السلوكية التي يقوم عليها مُجتمع الرهبان، بعض التعديلات بعد أن انضافت إليها مجموعة من المفاهيم الفلسفية، عرفت باسم "أبيردارما" (abhidharma). سمح هذا المجمع للبوذية ولأول مرة أن تعرف طريها إلى الانتشار خارج رقعتها الأصلية، عندما قرر المجتمعون إرسال مجموعة من الأشخاص إلى البلدان المجاورة بهدف الدعوة إلى الدين الجديد.


عقد مجمع رابع تحت أشراف الملك "كانيشكا"، في جَلندار (ولاية جامو-كاشمير) عام 100 بعد الميلاد. كان الهدف منه التقريب بين أهم تيارين في البوذية، "تيرافادا" و"ماهايانا"، إلا أن اتباع المذهب الأول رفضوا لاحقا الاعتراف بما جاء فيه.


المصدر : موسوعه ويكىميديا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق